الإثم الكذب بدليل قوله تعالى : " عن قولههم الإثم " . " والعدوان " الظلم . وقيل : الإثم كلمة الشرك . وقولهم : عزير ابن الله . وقيل : الإثم ما يختص بهم . والعدوان : ما يتعداهم إلى غيرهم . والمسارعة في الشيء الشروع فيه بسرعة " لبئس ما كانوا يصنعون " كأنهم جعلوا آثم من مرتكبي المناكير لأن كل عامل لا يسمى صانعا ولا كل عمل يسمى صناعة حتى يتمكن فيه ويتدرب وينسب إليه وكأن المعنى في ذلك أن مواقع المعصية معه الشهوة التي تدعوه إليها وتحمله على ارتكابها وأما الذي ينهاه فلا شهوة معه في فعل غيره فإذا فرط في الإنكار كان أشد حالا من المواقع . ولعمري إن هذه الآي مما يقذ السامع وينعي على العلماء توانيهم . وعن ابن عباس Bهما : هي أشد آية في القرآن . وعن الضحاك : ما في القرآن آية أخوف عندي منها .
" وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين " غل اليد وبسطها مجاز عن البخل والجود ومنه قوله تعالى : " ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط " الإسراء : 29 ، ولا يقصد من يتكلم به إثبات يد ولا غل ولا بسط ولا فرق عنده بين هذا الكلام وبين ما وقع مجازا عنه لأنهما كلامان متعقبان على حقيقة واحدة حتى أنه يستعمله في ملك لا يعطي عطاء قط ولا يمنعه إلا بإشارته من غير استعمال يد وبسطها وقبضها ولو أعطى الأقطع إلى المنكب عطاء جزيلا لقالوا : ما أبسط يده بالنوال لأن بسط اليد وقبضها عبارتان وقعتا متعاقبتين للبخل والجود وقد استعملوها حيث لا تصح اليد كقوله : .
جاد الحمى بسط اليدين بوابل ... شكرت نداه تلاعه ووهاده .
ولقد جعل لبيد للشمال يدا في قوله : .
إذ أصبحت بيد الشمال زمامها .
ويقال : بسط اليأس كفيه في صدري فجعلت لليأس الذي هو من المعاني لا من الأعيان كفان . ومن لم ينظر في علم البيان عمي عن تبصر محجة الصواب في تأويل أمثال هذه الآية ولم يتخلص من يد الطاعن إذا عبثت به . فإن قلت : قد صح أن قولهم : " يد الله مغلولة " عبارة عن البخل . فما تصنع بقوله : " غلت أيديهم " ؟ ومن حقه أن يطابق ما تقدمه وإلا تنافر الكلام وزل عن سننه ؟ قلت : يجوز أن يكون معناه الدعاء عليهم بالبخل والنكد ومن ثم أبخل خلق الله وأنكدهم . ونحوه بيت الأشتر : .
بقيت وفرى وانحرفت عن العلا ... ولقيت أضيافي بوجه عبوس