أنه أتى رسول الله A نفر من اليهود فسألوه عمن يؤمن به من الرسل ؟ فقال : " أومن بالله وما أنزل إلينا إلى قوله : ونحن له مسلمون " فقالوا حين سمعوا ذكر عيسى عليه السلام : ما نعلم أهل دين أقل حظا في الدنيا والآخرة منكم ولا دينا أشر من دينكم . فنزلت . وعن نعيم بن ميسرة : " وإن أكثركم " بالكسر . ويحتمل أن ينتصب وأن أكثركم بفعل محذوف يدل عليه هل تنقمون أي : ولا تنقمون أن أكثركم فاسقون أو يرتفع على الابتداء والخبر محذوف أي و فسقكم ثابت معلوم عندكم لأنكم علمتم أنا على الحق وأنكم على الباطل إلا أن حب الرياسة وكسب الأموال لا يدعكم فتنصفوا " ذلك " إشارة إلى المنقوم ولابد من حذف مضاف قبله أو قبل من تقديره : بشر من أهل ذلك أو دين من لعنه الله . و " من لعنه الله " في محل الرفع على قولك : هو من لعنه الله كقوله تعالى : " قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار " أو في محل الجر على البدل من شر . وقرئ : مثوبة . ومثوبة . ومثالهما : مشورة ومشورة . فإن قلت : المثوبة مختصة بالإحسان فكيف جاءت في الإساءة ؟ قلت : وضعت المثوبة موضع العقوبة على طريقة قوله : .
تحية بينهم ضرب وجيع .
ومنه " فبشرهم بعذاب أليم " آل عمران : 21 . فإن قلت : المعاقبون من الفريقين هم اليهود فلم شورك بينهم في العقوبة ؟ قلت : كان اليهود - لعنوا - يزعمون أن المسلمين ضالون مستوجبون للعقاب فقيل لهم : من لعنه الله شر عقوبة في الحقيقة واليقين من أهل الإسلام في زعمكم ودعواكم " وعبد الطاغوت " عطف على صلة من كأنه قيل : ومن عبد الطاغوت . وفي قراء أبي وعبدوا الطاغوت على المعنى . وعن ابن مسعود : ومن عبدوا . وقرئ وعابد الطاغوت عطفا على القردة . وعابدي . وعباد . وعبد . وعبد . ومعناه : الغلو في العبودية كقولهم رجل حذر وفطن للبليغ في الحذر والفطنة . قال : .
أبني لبينى إن أمكم ... أمة وإن أباكمو عبد .
وعبد بوزن حطم . وعبيد . وعبد - بضمتين - جمع عبيد : وعبدة بوزن كفرة . وعبد وأصله عبدة فحذفت التاء للإضافة . أو هو كخدم في جمع خادم . وعبد وعباد . وأعبد وعبد الطاغوت على البناء للمفعول وحذف الراجع بمعنى : وعبد الطاغوت فيهم أو بينهم وعبد الطاغوت بمعنى صار الطاغوت معبودا من دون الله كقولك أمر إذا صار أميرا . وعبد الطاغوت بالجر عطفا على " من لعنه الله " . فإن قلت : كيف جاز أن يجعل الله منهم عباد الطاغوت ؟ قلت : فيه وجهان أحدهما : أنه خذلهم حتى عبدوه . والثاني : أنه حكم عليهم بذلك ووصفهم به كقوله تعالى : " وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا " الزخرف : 19 ، وقيل : الطاغوت : العجل ؛ لأنه معبود من دون الله ولأن عبادتهم للعجل مما زينه لهم الشيطان فكانت عبادتهم له عبادة للشيطان وهو الطاغوت . وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه : أطاعوا الكهنة وكل من أطاع أحدا في معصية الله فقد عبده . وقرأ الحسن : الطواغيت . وقيل : وجعل منهم القردة أصحاب السبت والخنازير كفار أهل مائدة عيسى . وقيل : كلا المسخين من أصحاب السبت فشبانهم مسخوا قردة ومشايخهم مسخوا خنازير . وروي أنها لما نزلت كان المسلمون يعيرون اليهود ويقولون : يا إخوة القردة والخنازير فينكسون رءوسهم " أولئك " الملعونون الممسوخو " شر مكانا " جعلت الشرارة للمكان وهي لأهله . وفيه مبالغة ليست في قولك : أولئك شر وأضل لدخوله في باب الكناية التي هي أخت المجاز . نزلت في ناس من اليهود كانوا يدخلون على رسول الله A يظهرون له الإيمان نفاقا فأخبره الله تعالى بشأنهم وأنهم يخرجون من مجلسك كما دخلوا لم يتعلق بهم شيء مما سمعوا به من تذكيرك بآيات الله ومواعظك . وقوله : بالكفر و به حالان أي دخلوا كافرين وخرجوا كافرين . وتقديره : ملتبسين بالكفر . وكذلك قوله : وقد دخلوا ؛ وهم قد خرجوا ولذلك دخلت قد تقريبا للماضي من الحال . ولمعنى آخر : وهو أن أمارات النفاق كانت لائحة عليهم وكان رسول الله A متوقعا لإظهار الله ما كتموه فدخل حرف التوقع وهو متعلق بقوله : قالوا آمنا أي قالوا ذلك وهذه حالهم .
" وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون "