كأنك إذا قلت : من أجلك فعلت كذا أردت من أن جنيت فعلته وأوجبته ويدل عليه قولهم : من جراك فعلته أي من أن جررته بمعنى جنيته . وذلك إشارة إلى القتل المذكور أي من أن جنى ذلك القتل الكتب وجره " كتبنا على بني إسرائيل " و من لابتداء الغاية أي ابتدأ الكتب ونشأ من أجل ذلك . ويقال : فعلت كذا لأجل كذا . وقد يقال : أجل كذا بحذف الجار وإيصال الفعل قال : أجل إن الله قد فضلكم . وقرئ : من اجل ذلك بحذف الهمزة وفتح النون لإلقاء حركتها عليها . وقرأ أبو جعفر : من إجل ذلك بكسر الهمزة وهي لغة فإذا خفف كسر النون ملقيا لكسرة الهمزة عليها " بغير نفس " بغير قتل نفس لا على وجه الاقتصاص " أو فساد " عطف على نفس بمعنى أو بغير فساد " في الأرض " وهو الشرك . وقيل : قطع الطريق " ومن أحياها " ومن استنقذها من بعض أسباب الهلكة قتل أو غرق أو حرق أو هدم أو غير ذلك . فإن قلت : كيف شبه الواحد بالجميع وجعل حكمه كحكمهم ؟ قلت : لأن كل إنسان يدلي بما يلي به الآخر من الكرامة على الله وثبوت الحرمة فإذا قتل فقد أهين ما كرم على الله وهتكت حرمته وعلى العكس فلا فرق إذا بين الواحد والجميع في ذلك . فإن قلت : فما الفائدة في ذكر ذلك ؟ قلت : تعظيم قتل النفس وإحيائها في القلوب ليشمئز الناس عن الجسارة عليها ويتراغبوا في المحاماة على حرمتها ؛ لأن المتعرض لقتل النفس إذا تصور قتلها بصورة قتل الناس جميعها عظم ذلك عليه فثبطه وكذلك الذي أراد إحياءها . وعن مجاهد : قاتل النفس جزاؤه جهنم وغضب الله والعذاب العظيم . ولو قتل الناس جميعا لم يزد على ذلك . وعن الحسن : يا ابن آدم أرأيت لو قتلت الناس جميعا أكنت تطمع أن يكون لك عمل يوازي ذلك فيغفر لك به ؟ كلا إنه شيء سولته لك نفسك والشيطان فكذلك إذا قتلت واحدا " بعد ذلك " بعد ما كتبنا عليهم وبعد مجيء الرسل بالآيات " لمسرفون " يعني في القتل لا يبالون بعظمته .
" إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم " " يحاربون الله ورسوله " يحاربون رسول الله A ومحاربة المسلمين في حكم محاربته " ويسعون في الأرض فسادا " مفسدين أو لأن سعيهم في الأرض لما كان على طريق الفساد نزل منزلة : ويفسدون في الأرض فانتصب فسادا . على المعنى ويجوز أن يكون مفعولا له أي الفساد . نزلت في قوم هلال بن عويمر وكان بينه وبين رسول الله A عهد وقد مر بهم قوم يريدون رسول الله فقطعوا عليهم . وقيل : في العرنيين فأوحى إليه أن من جمع بين القتل وأخذ المال قتل وصلب ومن أفرد القتل قتل . ومن أفرد أخذ المال قطعت يده لأخذ المال ورجله لإخافة السبيل . ومن أفرد الإخافة نفي من الأرض . وقيل : هذا حكم كل قاطع طريق كافرا كان أو مسلما . ومعناه " أن يقتلوا " من غير صلب إن أفردوا القتل " أو يصلبوا " مع القتل إن جمعوا بين القتل والأخذ . قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله : يصلب حيا ويطعن حتى يموت " أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف " إن أخذوا المال " أو ينفوا من الأرض " إذا لم يزيدوا على الإخافة . وعن جماعة منهم الحسن والنخعي : أن الإمام مخير بين هذه العقوبات في كل قاطع طريق من غير تفصيل . والنفي : الحبس عند أبي حنيفة وعند الشافعي : النفي من بلد إلى بلد لا يزال يطلب وهو هارب فزعا وقيل : ينفى من بلده وكانوا ينفونهم إلى دهلك وهو بلد في أقصى تهامة و ناصع وهو بلد من بلاد الحبشة " خزي " ذل وفضيحة " إلا الذين تابوا " استثناء من المعاقبين عقاب قطع الطريق خاصة . وأما حكم القتل والجراح وأخذ المال فإلى الأولياء إن شاؤا عفوا وإن شاؤوا استوفوا . وعن علي Bه : أن الحرث بن بدر جاءه تائبا بعد ما كان يقطع الطريق فقبل توبته ودرأ عنه العقوبة .
" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون " الوسيلة : كل ما يتوسل به أي يتقرب من قرابة أو صنيعة أو غير ذلك فاستعيرت لما يتوسل به إلى الله تعالى من فعل الطاعات وترك المعاصي . وأنشد للبيد :