" يختانون أنفسهم " يخونونها بالمعصية . كقوله : " علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم " البقرة : 187 ، جعلت معصية العصاة خيانة منهم لأنفسهم كما جعلت ظلما لها : لأن الضرر راجع إليهم . فإن قلت : لم قيل " للخائنين " و " يختانون أنفسهم " وكان السارق طعمة وحده ؟ قلت : لوجهين أحدهما : أن بني ظفر شهدوا له بالبراءة ونصروه فكانوا شركاء له في الإثم . والثاني : أنه جمع ليتناول طعمة وكان من خان خيانته فلا تخاصم لخائن قط ولا تجادل عنه . فإن قلت : لم قيل " خوانا أثيما " على المبالغة ؟ قلت : كان الله عالما من طعمة بالإفراط في الخيانة وركوب المآثم ومن كانت تلك خاتمة أمره لم يشك في حاله . وقيل : إذا عثرت من رجل على سيئة فاعلم أن لها أخوات . وعن عمر Bه أنه أمر بقطع يد سارق فجاءت أمه تبكي وتقول : هذه أول سرقة سرقها فاعف عنه . فقال : كذبت إن الله لا يؤاخذ عبده في أول مرة " يستخفون " يستترون " من الناس " حياء منهم وخوفا من ضررهم " ولا يستخفون من الله " ولا يستحيون منه " وهو معهم " وهو عالم بهم مطلع عليهم لا يخفى عليهم خاف من سرهم وكفى بهذه الآية ناعية على الناس ما هم فيه من قلة الحياء والخشية من ربهم مع علمهم إن كانوا مؤمنين أنهم في حضرته لا سترة ولا غفلة ولا غيبة وليس إلا الكشف الصريح والافتضاح " يبيتون " يدبرون ويزورون وأصله أن يكون بالليل " ما لا يرضى من القول " وهو تدبير طعمة أن يرمي بالدرع في دار زيد ليسرق دونه ويحلف ببراءته . فإن قلت : كيف سمى التدبير قولا وإنما هو معنى في النفس ؟ قلت لما حدث بذلك نفسه سمي قولا على المجاز . ويجوز أن يراد بالقول : الحلف الكاذب الذي حلف به بعد أن بيته وتوريكه الذنب على اليهودي " ها أنتم هؤلاء " ها للتنبيه في أنتم . وأولاء وهما مبتدأ وخبر . و " جادلتم " جملة مبينة لوقوع أولاء خبرا كما تقول لبعض الأسخياء : أنت حاتم تجود بمالك وتؤثر على نفسك . ويجوز أن يكون أولاء اسما موصولا بمعنى الذين وجادلتم صلته . والمعنى : هبوا أنكم خاصمتم عن طعمة وقومه في الدنيا . فمن يخاصم عنهم في الآخرة إذا أخذهم الله بعذابه . وقرأ عبد الله : عنه أي عن طعمة " وكيلا " حافظا ومحاميا من بأس الله وانتقامه " ومن يعمل سوءا " قبيحا متعديا يسوء به غيره كما فعل طعمة بقتادة واليهودي " أو يظلم نفسه " بما يختص به كالحلف الكاذب . وقيل : ومن يعمل سوءا من ذنب دون الشرك . أو يظلم نفسه بالشرك . وهذا بعث لطعمة على الاستغفار والتوبة لتلزمه الحجة مع العلم بما يكون منه . أو لقومه لما فرط منهم من نصرته والذب عنه .
" ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا " " فإنما يكسبه على نفسه " أي لا يتعداه ضرره إلى غيره فليبق على نفسه من كسب السوء " خطيئة " صغيرة " أو إثما " أو كبيرة " ثم يرم به بريئا " كما رمى طعمة زيدا " فقد احتمل بهتانا وإثما " لأنه بكسب الإثم آثم وبرمي البريء باهت فهو جامع بين الأمرين . وقرأ معاذ بن جبل Bه : ومن يكسب بكسر الكاف والسين المشددة وأصله يكتسب .
" ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما " " ولولا فضل الله عليك ورحمته " أي عصمته وألطافه وما أوحي إليك من الاطلاع على سرهم " لهمت طائفة منهم " من بني ظفر " أن يضلوك " عن القضاء بالحق وتوخي طريق العدل مع علمهم بأن الجاني هو صاحبهم فقد روي أن نساا منهم كانوا يعلمون كنه القصة " وما يضلون إلا أنفسهم " لأن وباله عليهم " وما يضرونك من شيء " لأنك إنما عملت بظاهر الحال وما كان يخطر ببالك أن الحقيقة على خلاف ذلك " وعلمك ما لم تكن تعلم " من خفيات الأمور وضمائر القلوب أو من أمور الدين والشرائع . ويجوز أن يراد بالطائفة بنو ظفر ويرجع الضمير في منهم إلى الناس . وقيل : الآية في المنافقين .
" لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما "