أن مرداس بن نهيك رجلا من أهل فدك أسلم ولم يسلم من قومه غيره فغزتهم سرية لرسول الله A كان عليها غالب بن فضالة الليثي فهربوا وبقي مرداس لثقته بإسلامه فلما رأى الخيل ألجأ غنمه إلى عاقول من الجبل وصعد فلما تلاحقوا وكبروا كبر ونزل وقال : لا إله إلا الله محمد رسول الله السلام عليكم فقتله أسامة بن زيد واستاق غنمه فأخبروا رسول الله A فوجد وجدا شديدا وقال : قتلتموه إرادة ما معه ثم قرأ الآية على أسامة فقال : يا رسول الله استغفر لي . قال : فكيف بلا إله إلا الله قال أسامة : فما زال يعيدها حتى وددت أن لم أكن أسلمت إلا يومئذ ثم استغفر لي وقال : أعتق رقبة . " تبتغون عرض الحياة الدنيا " تطلبون الغنيمة التي هي حطام سريع النفاد فهو الذي يدعوكم إلى ترك التثبت وقلة البحث عن حال من تقتلونه " فعند الله مغانم كثيرة " يغنمكموها تغنيكم عن قتل رجل يظهر الإسلام ويتعوذ به من التعرض له لتأخذوا ماله " كذلك كنتم من قبل " أول ما دخلتم في الإسلام سمعت من أفواهكم كلمة الشهادة فحصنت دماءكم وأموالكم من غير انتظار الاطلاع على مواطأة قلوبكم لألسنتكم " فمن الله عليكم " بالاستقامة والاشتهار بالإيمان والتقدم وإن صرتم أعلاما فعليكم أن تفعلوا بالداخلين في الإسلام كما فعل بكم وأن تعتبروا ظاهر الإسلام في المكافة ولا تقولوا إن تهليل هذا لاتقاء القتل لا لصدق النية فتجعلوه سلما إلى استباحة دمه وماله وقد حرمهما الله وقوله : " فتبينوا " تكرير للأمر بالتبين ليؤكد عليهم " إن الله كان بما تعملون خبيرا " فلا تتهافتوا في القتل وكونوا محترزين محتاطين في ذلك .
" لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه ومغفرة وكان الله غفورا رحيما " " غير أولي الضرر " قرئ بالحركات الثلاث فالرفع صفة للقاعدون والنصب استثناء منهم أو حال عنهم والجر صفة للمؤمنين . والضرر : المرض أو العاهة من عمى أو عرج أو زمانة أو نحوها . وعن زيد بن ثابت : كنت إلى جنب رسول الله A فغشيته السكينة فوقعت فخذه على فخذي حتى خشيت أن ترضها ثم سري عنه فقال : اكتب فكتبت في كتف " لا يستوي القاعدون من المؤمنين " " والمجاهدون " فقال ابن أم مكتوم وكان أعمى : يا رسول الله وكيف بمن لا يستطيع الجهاد من المؤمنين . فغشيته السكينة كذلك ثم قال : اقرأ يا زيد فقرأت " لا يستوي القاعدون من المؤمنين " فقال غير أولي الضرر قال زيد : أنزله الله وحدها فألحقتها . والذي نفسي بيده لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع في الكتف . وعن ابن عباس : لا يستوي القاعدون عن بدر والخارجون إليها . وعن مقاتل : إلى تبوك . فإن قلت : معلوم أن القاعد بغير عذر والمجاهد لا يستويان فما فائدة نفي الاستواء ؟ قلت : معناه الإذكار بما بينهما من التفاوت العظيم والبون البعيد ليأنف القاعد ويترفع بنفسه عن انحطاط منزلته فيهتز للجهاد ويرغب فيه وفي ارتفاع طبقته ونحوه " هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " الزمر : 9 ، أريد به التحريك من حمية الجاهل وأنفته ليهاب به إلى التعلم ولينهض بنفسه عن صفة الجهل إلى شرف العلم " فضل الله المجاهدين " جملة موضحة لما نفي من استواء القاعدين والمجاهدين كأنه قيل : ما لهم لا يستوون فأجيب بذلك . والمعنى على القاعدين غير أولي الضرر لكون الجملة بيانا للجملة الأولى المتضمنة لهذا الوصف " وكلا " وكل فريق من القاعدين والمجاهدين " وعد الله الحسنى " أي المثوبة الحسنى وهي الجنة وإن كان المجاهدون مفضلين على القاعدين درجة . وعن النبي A :