" كل معروف صدقة " وقرأ أبي : إلا أن يتصدقوا . فإن قلت : بم تعلق أن يصدقوا وما محله ؟ قلت : تعلق بعليه أو بمسلمة كأنه قيل : وتجب عليه الدية أو يسلمها إلا حين يتصدقون عليه . ومحلها النصب على الظرف بتقدير حذف الزمان كقولهم : اجلس ما دام زيد جالسا . ويجوز أن يكون حالا من أهله بمعنى إلا متصدقين " من قوم عدو لكم " من قوم كفار أهل الحرب وذلك نحو رجل أسلم في قومه الكفار وهو بين أظهرهم لم يفارقهم فعلى قاتله الكفارة إذا قتله خطأ وليس على عاقلته لأهله شيء . لأنهم كفار محاربون . وقيل : كان الرجل يسلم ؛ ثم يأتي قومه وهم مشركون فيغزوهم جيش المسلمين فيقتل فيهم خطأ لأنهم يظنون كافرا مثلهم " وإن كان من قوم " كفرة لهم ذمة كالمشركين الذين عاهدوا المسلمين وأهل الذمة من الكتابيين فحكمه حكم مسلم من مسلمين " فمن لم يجد " رقبة بمعنى لم يملكها ولا ما يتوصل به إليه " ف " عليه " فصيام شهرين متتابعين توبة من الله " قبولا من الله ورحمة منه من تاب الله عليه إذا قبل توبته يعني شرع ذلك توبة منه أو نقلكم من الرقبة إلى الصوم توبة منه . هذه الآية فيها من التهديد والإيعاد والإبراق والإرعاد أمر عظيم وخطب غليظ . ومن ثم روي عن ابن عباس ما روي من أن توبة قاتل المؤمن عمدا غير مقبولة . وعن سفيان : كان أهل العلم إذا سئلوا قالوا : لا توبة له وذلك محمول منهم على الاقتداء بسنة الله في التغليظ والتشديد وإلا فكل ذنب ممحو بالتوبة . وناهيك بمحو الشرك دليلا . وفي الحديث : " لزوال الدنيا أهون على الله من قتل امرئ مسلم " وفيه : " لو أن رجلا قتل بالمشرق وآخر رضي بالمغرب لأشرك في دمه " وفيه : " إن هذا الإنسان بنيان الله . ملعون من هدم بنيانه " وفيه : " من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله " . والعجب من قوم يقرؤن هذه الآية ويرون ما فيها ويسمعون هذه الأحاديث العظيمة وقول ابن عباس بمنع التوبة . ثم لا تدعهم أشعبيتهم وطماعيتهم الفارغة واتباعهم هواهم وما يخيل إليهم مناهم أن يطمعوا في العفو عن قاتل المؤمن بغير توبة " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " محمد : 24 ، ثم ذكر الله سبحانه وتعالى التوبة في قتل الخطأ لما عسى يقع من نوع تفريط فيما يجب من الاحتياط والتحفظ فيه حسم للأطماع وأي حسم ولكن لا حياة لمن تنادي . فإن قلت : هل فيها دليل على خلود من لم يتب من أهل الكبائر ؟ قلت : ما أبين الدليل وهو تناول قوله : " ومن يقتل " أي قاتل كان من مسلم أو كافر تائب أو غير تائب إلا أن التائب أخرجه الدليل . فمن ادعى إخراج المسلم غير التائب فليأت بدليل مثله .
" يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا " " فتبينوا " وقرئ : فتثبتوا وهما التفعل بمعنى الاستفعال . أي اطلبوا بيان الأمر وثباته ولا تتهوكوا فيه من غير روية . وقرئ : السلم . والسلام وهما الاستسلام . وقيل : الإسلام . وقيل : التسليم الذي هو تحية أهل الإسلام " لست مؤمنا " وقرئ مؤمنا بفتح الميم من آمنه أي لا نؤمنك وأصله :