الجبت : الأصنام وكل ما عبد من دون الله : والطاغوت : الشيطان . وذلك أن حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف اليهوديين خرجا إلى مكة مع جماعة من اليهود يحالفون قريشا على محاربة رسول الله A فقالوا : أنتم أهل كتاب وأنتم أقرب إلى محمد منكم إلينا فلا نأمن مكركم فاسجدوا لآلهتنا حتى نطمئن إليكم ففعلوا فهذا إيمانهم " بالجبت والطاغوت " لأنهم سجدوا للأصنام وأطاعوا إبليس فيما فعلوا . وقال أبو سفيان : أنحن أهدى سبيلا أم محمد . فقال كعب : ماذا يقول محمد ؟ قالوا : يأمر بعبادة الله وحده وينهى عن الشرك . قال : وما دينكم ؟ قالوا : نحن ولاة البيت ونسقي الحاج ونقري الضيف ونفك العاني وذكروا أفعالهم فقال : أنتم أهدى سبيلا .
" أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا " وصف اليهود بالبخل والحسد وهما شر خصلتين : يمنعون ما أوتوا من النعمة ويتمنون أن تكون لهم نعمة غيرهم فقال : " أم لهم نصيب من الملك " على أن أم منقطعة ومعنى الهمزة لإنكار أن يكون لهم نصيب من الملك ثم قال : " فإذا لا يؤتون " أي لو كان لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون أحدا مقدار نقير لفرط بخلهم : والنقير : النقرة في ظهر النواة وهو مثل في القلة كالفتيل والقطمير . والمراد بالملك : إما ملك أهل الدنيا . وإما ملك الله كقوله تعالى : " قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق " الإسراء : 100 ، وهذا أوصف لهم بالشح وأحسن لطباقه نظيره من القرآن . ويجوز أن يكون معنى الهمزة في أم : لإنكار أنهم قد أوتوا نصيبا من الملك وكانوا أصحاب أموال وبساتين وقصور مشيدة كما تكون أحوال الملوك . وأنهم لا يؤتون أحدا مما يملكون شيئا . وقرأ ابن مسعود : فإذا لا يؤتوا على إعمال إذا عملها الذي هو النصب وهي ملغاة في قراءة العامة كأنه قيل : فلا يؤتون الناس نقيرا إذا " أم يحسدون الناس " بل أيحسدون رسول الله A والمؤمنين على إنكار الحسد واستقباحه . وكانوا يحسدونهم على ما آتاهم الله من النصرة والغلبة وازدياد العز والتقدم كل يوم " فقد آتينا " إلزام لهم بما عرفوه من إيتاء الله الكتاب والحكمة " آل إبراهيم " الذين هم أسلاف محمد A وأنه ليس ببدع أن يؤتيه الله مثل ما آتى أسلافه . وعن ابن عباس : الملك في آل إبراهيم ملك يوسف وداود وسليمان . وقيل : استكثروا نساءه فقيل لهم : كيف استكثرتم له التسع وقد كان لداود مائة ولسيمان ثلثمائة مهيرة وسبعمائة سرية ؟ " فمنهم " فمن اليهود " من آمن به " أي بما ذكر من حديث آل إبراهيم " ومنهم من صد عنه " وأنكره مع علمه بصحته . أو من اليهود من آمن برسول الله A ومنهم من أنكر نبوته . أو من آل إبراهيم من آمن بإبراهيم ومنهم من كفر كقوله : " فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون " الحديد : 26 .
" إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما " " بدلناهم جلودا غيرها " أبدلناهم إياها . فإن قلت : كيف تعذب مكان الجلود العاصية جلود لم تعص ؟ قلت : العذاب للجملة الحساسة وهي التي عصت لا للجلد . وعن فضيل : يجعل النضيج غير نضيج . وعن رسول الله A : " تبدل جلودهم كل يوم سبع مرات " وعن الحسن : سبعين مرة يبدلون جلودا بيضاء كالقراطيس " ليذوقوا العذاب " ليدوم لهم ذوقه ولا ينقطع . كقولك للعزيز : أعزك الله أي أدامك على عزك وزادك فيه " عزيزا " لا يمتنع عليه شيء مما يريده بالمجرمين " حكيما " لا يعذب إلا بعدل من يستحقه .
" والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا "