" الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا " " الذين يبخلون " بدل من قوله : " من كان مختالا فخورا " أو نصب على الذم . ويجوز أن يكون رفعا عليه وأن يكون مبتدأ خبره محذوف كأنه قيل : الذين يبخلون ويفعلون ويصنعون أحقاء بكل ملامة . وقرئ بالبخل بضم الباء وفتحها . وبفتحتين . وبضمتين : أي يبخلون بذات أيديهم وبما في أيدي غيرهم . فيأمرونهم بأن يبخلوا به مقتا للسخاء ممن وجد . وفي أمثال العرب : أبخل من الضنين بنائل غيره . قال : .
وإن امرءا ضنت يداه على امرئ ... بنيل يد من غيره لبخيل .
ولقد رأينا ممن بلي بداء البخل من إذا طرق سمعه أن أحدا جاد على أحد . شخص به وحل حبوته واضطرب ودارت عيناه في رأسه كأنما نهب رحله وكسرت خزانته ضجرا من ذلك وحسرة على وجوده . وقيل : هم اليهود كانوا يأتون رجالا من الأنصار يتنصحون لهم ويقولون : لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر ولا تدرون ما يكون . وقد عابهم الله بكتمان نعمة الله وما آتاهم من فضل الغنى والتفاقر إلى الناس . وعن النبي A : " إذا أنعم الله على عبد نعمة أحب أن ترى نعمته على عبده " وبنى عامل للرشيد قصرا حذاء قصره فنم به عنده . فقال الرجل : يا أمير المؤمنين إن الكريم يسره أن يرى أثر نعمته فأحببت أن أسرك بالنظر إلى آثار نعمتك فأعجبه كلامه . وقيل : نزلت في شأن اليهود الذين كتموا صفة رسول الله A .
" والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله وكان الله بهم عليما " " رئاء الناس " للفخار وليقال : ما أسخاهم وما أجودهم ! .
لا ابتغاء وجه الله . وقيل : نزلت في مشركي مكة المنفقين أموالهم في عداوة رسول الله A : " فساء قرينا " حيث حملهم على البخل والرياء وكل شر . ويجوز أن يكون وعيدا لهم بأن الشيطان يقرن بهم في النار " وماذا عليهم " وأي تبعة ووبال عليهم في الإيمان والإنفاق في سبيل الله والمراد الذم والتوبيخ . وإلا فكل منفعة ومفلحة في ذلك . وهذا كما يقال للمنتقم : ما ضرك لو عفوت . وللعاق : ما كان يرزؤك لو كنت بارا . وقد علم أنه لا مضرة ولا مرزأة في العفو والبر . ولكنه ذم وتوبيخ وتجهيل بمكان المنفعة " وكان الله بهم عليما " وعيد .
" إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا " الذرة النملة الصغيرة . وفي قراءة عبد الله : مثقال نملة وعن ابن عباس : أنه أدخل يده في التراب فرفعه ثم نفخ فيه فقال : كل واحدة من هؤلاء ذرة . وقيل : كل جزء من أجزاء الهباء في الكوة ذرة . وفيه دليل على انه لو نقص من الأجر أدنى شيء وأصغره أو زاد في العقاب لكان ظلما وأنه لا يفعله لاستحالته في الحكمة لا لاستحالته في القدرة " وإن تك حسنة " وإن يكن مثقال ذرة حسنة وإنما أنت ضمير المثقال لكونه مضافا إلى مؤنث . وقرئ - بالرفع - على كان التامة " يضاعفها " يضاعف ثوابها لاستحقاقها عند الثواب في كل وقت من الأوقات المستقبلة غير المتناهية . وعن أبي عثمان النهدي أنه قال لأبي هريرة : بلغني عنك أنك تقول سمعت رسول الله A يقول : " إن الله تعالى يعطي عبده المؤمن بالحسنة ألف ألف حسنة " قال أبو هريرة : لا بل سمعته يقول : إن الله تعالى يعطيه ألفي ألف حسنة ثم تلا هذه الآية . والمراد : الكثرة لا التحديد " ويؤت من لدنه أجرا عظيما " ويعط صاحبها من عنده على سبيل التفضل عطاء عظيما وسماه أجرا لأنه تابع للأجر لا يثبت إلا بثباته . قرئ : يضعفها بالتشديد والتخفيف من أضعف وضعف : وقرأ ابن هرمز : نضاعفها بالنون " فكيف " يصنع هؤلاء الكفرة من اليهود وغيرهم " إذا جئنا من كل أمة بشهيد " يشهد عليهم بما فعلوا وهو نبيهم كقوله : " وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم " المائدة : 117 . " وجئنا بك على هؤلاء " المكذبين " شهيدا " وعن ابن مسعود :