وأريد هاهنا أن يميز بين كون البنت مع غيرها وبين كونها وحدها لا قرينة لها . فإن قلت : قد ذكر حكم البنتين في حال اجتماعهما مع الابن وحكم البنات والبنت في حال الانفراد ولم يذكر حكم البنتين في حال الانفراد فما حكمهما وما باله لم يذكر ؟ قلت : أما حكمهما فمختلف فيه فابن عباس أبى تنزيلهما منزلة الجماعة . لقوله تعالى : " فإن كن نساء فوق اثنتين " فأعطاهما حكم الواحدة وهو ظاهر مكشوف . وأما سائر الصحابة فقد أعطوهما حكم الجماعة والذي يعلل به قولهم أن قوله : " للذكر مثل حظ الأنثيين " قد دل على أن حكم الأنثيين حكم الذكر وذلك أن الذكر كما يجوز الثلثين مع الواحدة فالأنثيان كذلك يجوازان الثلثين فلما ذكر ما دل على حكم الأنثيين قيل : " فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك " على معنى : فإن كن جماعة بالغات ما بلغن من العدد فلهن ما للأنثيين وهو الثلثان لا يتجاوزنه لكثرتهن ليعلم أن حكم الجماعة حكم الثنتين بغير تفاوت . وقيل : إن الثنتين أمس رحما بالميت من الأختين فأوجبوا لهما ما أوجب الله للأختين . ولم يروا أن يقصروا بهما عن حظ من هو أبعد رحما منهما . وقيل : إن البنت لما وجب لها مع أخيها الثلث كانت أحرى أن يجب لها الثلث إذا كانت مع أخت مثلها . ويكون لأختها معها مثل ما كان يجب لها أيضا مع أخيها لو انفردت معه فوجب لهما الثلثان " ولأبويه " الضمير للميت . و " لكل واحد منهما " بدل من " ولأبويه " بتكرير العامل . وفائدة هذه البدل أنه لو قيل : ولأبويه السدس لكان ظاهره اشتراكهما فيه . ولو قيل : ولأبويه السدسان لأوهم قسمة السدسين عليها على التسوية وعلى خلافها . فإن قلت : فهلا قيل : ولكل واحد من أبويه السدس وأي فائدة في ذكر الأبوين أولا ثم في الإبدال منهما ؟ قلت : لأن في الإبدال والتفصيل بعد الإجمال تأكيدا وتشديدا كالذي تراه في الجمع بين المفسر والتفسير . والسدس : مبتدأ . وخبره : لأبويه . والبدل متوسط بينهما للبيان . وقرأ الحسن ونعيم بن ميسرة السدس بالتخفيف وكذلك الثلث والربع والثمن . والولد : يقع على الذكر والأنثى ويختلف حكم الأب في ذلك . فإن كان ذكرا اقتصر بالأب على السدس وإن كانت أنثى عصب مع إعطاء السدس . فإن قلت : قد بين حكم الأبوين في الإرث مع الولد ثم حكمهما مع عدمه فهلا قيل : فإن لم يكن له ولد فلأمه الثلث . وأي فائدة في قوله : " وورثه أبواه " ؟ قلت معناه : فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فحسب فلأمه الثلث مما ترك كما قال : " لكل واحد منهما السدس مما ترك " لأنه إذا ورثه أبواه مع أحد الزوجين كان للأم ثلث ما بقي بعد إخراج نصيب الزوج لا ثلث ما ترك إلا عند ابن عباس . والمعنى : أن الأبوين إذا خلصا تقاسما الميراث : للذكر مثل حظ الأنثيين فإن قلت : ما العلة في أن كان لها ثلث ما بقي دون ثلث المال ؟ قلت : فيه وجهان : أحدهما أن الزوج إنما استحق ما يسهم له بحق العقد لا بالقرابة