فأشبه الوصية في قسمة ما وراءه . والثاني : أن الأب أقوى في الإرث من الأم بدليل أنه يضعف عليها إذا خلصا ويكون صاحب فرض وعصبة وجامعا بين الأمرين فلو ضرب لها الثلث كملا لأدى إلى حظ نصيبه عن نصيبه . ألا ترى أن امرأة لو تركت زوجا وأبوين فصار للزوج النصف وللأم الثلث والباقي للأب حازت الأم سهمين والأب سهما واحدا ؛ فينقلب الحكم إلى أن يكون للأنثى مثل حظ الذكرين " فإن كان له إخوة فلأمه السدس " الإخوة يحجبون الأم عن الثلث وإن كانوا لا يرثون مع الأب فيكون لها السدس وللأب خمسة الأسداس ويستوي في الحجب الاثنان فصاعدا إلا عند ابن عباس . وعنه أنهم يأخذون السدس الذي حجبوا عنه الأم . فإن قلت : فكيف صح أن يتناول الإخوة الأخوين . الجمع خلاف التثنية ؟ قلت : الإخوة تفيد معنى الجمعية المطلقة بغير كمية والتثنية كالتثليث والتربيع في إفادة الكمية وهذا موضع الدلالة على الجمع المطلق فدل بالإخوة عليه . وقرئ : فلإمه بكسر الهمزة إتباعا للجرة . ألا تراها لا تكسر في قوله : " وجعلنا ابن مريم وأمه آية " المؤمنون : 50 ، " من بعد وصية " متعلق بما تقدمه من قسمة المواريث كلها لا بما يليه وحده كأنه قيل قسمة هذه الأنصبة من بعد وصية يوصى بها . وقرئ يوصي بها بالتخفيف والتشديد . و ويوصى بها على البناء المفعول مخففا فإن قلت : ما معنى أو ؟ قلت : معناها الإباحة : وأنه إن كان أحدهما أو كلاهما قدم على قسمة الميراث كقولك : جالس الحسن أو ابن سيرين . فإن قلت : لم قدمت الوصية على الدين والدين مقدم عليها في الشريعة ؟ قلت : لما كانت الوصية مشبهة للميراث في كونها مأخوذة من غير عوض كان إخراجها مما يشق على الورثة ويتعاظمهم ولا تطيب أنفسهم بها فكان أداؤها مظنة للتفريط بخلاف الدين فإن نفوسهم مطمئنة إلى أدائه فلذلك قدمت على الدين بعثا على وجوبها والمسارعة إلى إخراجها مع الدين ولذلك جيء بكلمة أو للتسوية بينهما في الوجوب ثم أكد ذلك ورغب فيه بقوله : " آباؤكم وأبناؤكم " أي لا تدرون من أنفع لكم من آبائكم وأبنائكم الذين يموتون أمن أوصى منهم أمن لم يوص ؟ يعني أن من أوصى ببعض ماله فعرضكم لثواب الآخرة بإمضاء وصيته فهو أقرب لكم نفعا وأحضر جدوى ممن ترك الوصية فوفر عليكم عرض الدنيا وجعل ثواب الآخرة أقرب وأحضر من عرض الدنيا ذهابا إلى حقيقة الأمر لأن عرض الدنيا وإن كان عاجلا قريبا في الصورة إلا أنه فان فهو في الحقيقة الأبعد الأقصى . وثواب الآخرة وإن كان آجلا إلا أنه باق فهو في الحقيقة الأقرب الأدنى . وقيل : إن الابن إن كان أرفع درجة من أبيه في الجنة سأل أن يرفع أبوه إليه فيرفع . وكذلك الأب إن كان أرفع درجة من ابنه سأل أن يرفع إليه ابنه . فأنتم لا تدرون في الدنيا أيهم أقرب لكم نفعا . وقيل : قد فرض الله الفرائض على ما هو عنده حكمة . ولو وكل ذلك إليكم لم تعلموا أيهم لكم أنفع فوضعتم أنتم الأموال على غير حكمة . وقيل : الأب يجب عليه النفقة على الابن إذا احتاج وكذلك الابن إذا كان محتاجا فهما في النفع بالنفقة لا يدري أيهما أقرب نفعا . وليس شيء من هذه الأقاويل بملائم للمعنى ولا مجاوب له لأنه هذه الجملة اعتراضية . ومن حق الاعتراضي أن يؤكد ما اعترض بينه ويناسبه والقول ما تقدم " فريضة " نصبت نصب المصدر المؤكد أي فرض ذلك فرضا " إن الله كان عليما " بمصالح خلقه " حكيما " في كل ما فرض وقسم من المواريث وغيرها .
" ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم "