" ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " الضمير في " ليسوا " لأهل الكتاب أي ليس أهل الكتاب مستوين . وقوله : " من أهل الكتاب أمة قائمة " كلام مستأنف لبيان قوله : " ليسوا سواء " كما وقع قوله : " تأمرون بالمعروف " آل عمران : 110 ، بيانا لقوله " كنتم خير أمة " " أمة قائمة " . مستقيمة عادلة من قولك : أقمت العود فقام بمعنى استقام وهم الذين أسلموا منهم . وعبر عن تهجدهم بتلاوة القرآن في ساعات الليل مع السجود لأنه أبين لما يفعلون ؛ وأدل على حسن صورة أمرهم . وقيل : عنى صلاة العشاء لأن أهل الكتاب لا يصلونها . وعن ابن مسعود Bه : أخر رسول الله A صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال : " أما إنه ليس من أهل الأديان أحد يذكر الله في هذهه الساعة غيركم وقرأ هذه الآية " . وقوله : " يتلون " و " يؤمنون " في محل الرفع صفتان لأمة أي أمة قائمة تالون مؤمنون وصفهم بخصائص ما كانت في اليهود من تلاوة آيات الله بالليل . ساجدين ومن الإيمان بالله لأن إيمانههم به كلا إيمان لإشراكهم به عزيرا وكفرهم ببعض الكتب والرسل دون بعض . ومن الإيمان باليوم الآخر لأنهم يصفونه بخلاف صفته . ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنهم كانوا مداهنين . ومن المسارعة في الخيرات لأنهم كانوا متباطئين عنها غير راغبين فيها . والمسارعة في الخير : فرط الرغبة فيه لأن من رغب في الأمر سارع في توليه والقيام به وىثر الفوز على التراخي " وأولئك " الموصوفون بما وصفوا به " من " جملة " الصالحين " الذين صلحت أحوالهم عند الله ورضيهم واستحقوا ثناءه عليهم . ويجوز أن يريد بالصالحين المسلمين " فلن يكفروه " لما جاء وصف الله عز وعلا بالشكر في قوله : " والله شكور حليم " التغابن : 17 ، في معنى توفيه الثواب نفى عنه نقيض ذلك . فإن قلت : لم عدى إلى مفعولين . وشكر وكفر لا يتعديان إلا إلى واحد تقول شكر النعمة وكفرها ؟ قلت : ضمن معنى الحرمان فكأنه قيل : فلن تحرموه ؛ بمعنى فلن تحرموا جزاءه . وقرئ يفعلوا ويكفروه بالياء والتاء " والله عليم بالمتقين " بشارة للمتقين بجزيل الثواب ودلالة على أنه لا يفوز عنده إلا أهل التقوى .
" مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلتكه وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون " الصر : الريح الباردة نحو : الصرصر . قال : .
لا تعدلن أتاويين تضربهم ... نكباء صر بأصحاب المحلات .
كما قالت ليلى الأخيلية : .
ولم يغلب الخصم الألد ويملإ ال ... جفان سديفا يوم نكباء صرصر .
فإن قلت : فما معنى قوله : " كمثل ريح فيها صر " ؟ قلت : فيه أوجه : أحدهما أن الصر في صفة الريح بمعنى الباردة فوصف بها القرة بمعنى فيها قرة صر كما تقول : برد بارد على المبالغة . والثاني : أن يكون الصر مصدرا في الأصل بمعنى البرد فجيء به على أصله . والثالث : أن يكون من قوله تعالى : " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " الأحزاب : 21 ، ومن قولك : إن ضيعني فلان ففي الله كاف وكافل . قال : .
وفي الرحمن للضعفاء كافي