كان عبارة عن وجود الشيء في زمان ماض على سبيل الإبهام وليس فيه دليل على سابق عدم ولا على انقطاع طارئ ومنه قوله تعالى : " وكان الله غفورا رحيما " النساء : 96 ، ومنه قوله تعالى : " كنتم خير أمة " كأنه قيل : وجدتم خير أمة وقيل : كنتم في علم الله خير أمة . وقيل : كنتم في الأمم قبلكم مذكورين بأنكم خير أمة كما تقول : زيد كريم يطعم الناس ويكسوهم ويقوم بما يصلحهم " وتؤمنون بالله " جعل الإيمان بكل ما يجب الإيمان به إيمانا بالله لأن من آمن ببعض ما يجب الإيمان به من رسول أو كتاب أو بعث أو حساب أو عقاب أو ثواب أو غير ذلك لم يعتد بإيمانه فكأنه غير مؤمن بالله " ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا " النساء : 150 ، والدليل عليه قوله تعالى : " ولو آمن آهل الكتاب " مع إيمانهم بالله " لكان خيرا لهم " لكان الإيمان خيرا لهم مما هم عليه لأنهم إنما آثروا دينهم على دين الإسلام حبا للرياسة واستتباع العوام ولو آمنوا لكان لهم من الرياسة والأتباع وحظوظ الدنيا ما هو خير مما آثروا دين الباطل لأجله مع الفوز بما وعدوه على الإيمان من إيتاء الأجر مرتين " منهم المؤمنون " كعبد الله بن سلام وأصحابه " وأكثرهم الفاسقون " المتمردون في الكفر " لن يضروكم إلا أذى " إلا ضررا مقتصرا على أذى بقول من طعن في الدين أو تهديدا أو نحو ذلك " وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار " منهزمين ولا يضروكم بقتل أو أسر " ثم لا ينصرون " ثم لا يكون لهم نصر من أحد ولا يمنعون منكم . وفيه تثبيت لمن أسلم منهم لأنهم كانوا يؤذنونهم بالتلهي بهم وتوبيخهم وتضليلهم وتهديدهم بأنهم لا يقدرون أن يتجاوزوا الأذى بالقول إلى ضرر يبالى به مع أنه وعدهم الغلبة عليهم والانتقام منهم وأن عاقبة أمرهم الخذلان والذل . فإن قلت : هلا جزم المعطوف في قوله : " ثم لا ينصرون " ؟ قلت عدل به عن حكم الجزاء إلى حكم الإخبار ابتداء كأنه قيل : ثم أخبركم أنهم لا ينصرون . فإن قلت : فأي فرق بين رفعه وجزمه في المعنى ؟ قلت : لو جزم لكان نفي النصر مقيدا بمقاتلتهم كتولية الأدبار . وحين رفع كان نفي النصر وعدا مطلقا كأنه قال : ثم شأنهم وقصتهم التي أخبركم عنها وأبشركم بها بعد التولية أنهم مخذولون منتف عنهم النصر والقوة لا ينهضون بعدها بجناح ولا يستقيم لهم أمر وكان كما أخبر من حال بني قريظة والنضير وبني قينقاع ويهود خيبر . فإن قلت : فما الذي عطف عليه هذا الخبر ؟ قلت : جملة الشرط والجزاء كأنه قيل : أخبركم أنهم إن يقاتلوكم ينهزموا ثم أخبركم أنهم لا ينصرون . فإن قلت : فما معنى التراخي في ثم ؟ قلت : التراخي في المرتبة لأن الإخبار بتسليط الخذلان عليهم أعظم من الإخبار بتوليتهم الأدبار . فإن قلت : ما موقع الجملتين أعني " منهم المؤمنون " و " لن يضروكم " ؟ قلت : هما كلامان واردان على طريق الاستطراد عند إجراء ذكر أهل الكتاب كما يقول القائل : وعلى ذكر فلان فإن من شأنه كيت وكيت ولذلك جاء من غير عاطف .
" ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءو بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون " " بحبل من الله " في محل النصب على الحال بتقدير : إلا معتصمين أو متمسكين أو متلبسين بحبل من الله وهو استثناء من أعم عام الأحوال . والمعنى : ضربت عليهم الذلة في عامة الأحوال إلا في حال اعتصامهم بحبل الله وحبل الناس يعني ذمة الله وذمة المسلمين أي لا عز لهم قط إلا بهذه الواحدة وهي التجاؤهم إلى الذمة لما قبلوه من الجزية " وباءو بغضب من الله " استوجبوه " وضربت عليهم المسكنة " كما يضرب البيت على أهله فهم ساكنون في المسكنة غير ظاعنين عنها وهم اليهود عليهم لعنة الله وغضبه " ذلك " إشارة إلى ما ذكر من ضرب الذلة والمسكنة والبواء بغضب الله أي ذلك كائن بسبب كفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء ثم قال : " ذلك بما عصوا " أي ذلك كائن بسبب عصيانهم لله واعتدائهم لحدوده ليعلم أن الكفر وحده ليس بسبب في استحقاق سخط الله وأن سخط الله يستحق بركوب المعاصي كما يستحق بالكفر . ونحوه " مما خطيآتهم أغرقوا " نوح : 25 ، " وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل " النساء : 161