" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون " " حق تقاته " واجب تقواه وما يحق منها وهو القيام بالمواجب واجتناب المحارم ونحوه " فاتقوا الله ما استطعتم " التغابن : 16 ، يريد : بالغوا في التقوى حتى لا تتركوا من المستطاع منها شيئا . وعن عبد الله : هو أن يطاع فلا يعصى ويشكر فلا يكفر ويذكر فلا ينسى " وروي مرفوعا . وقيل : هو أن لا تأخذه في الله لومة لائم ويقوم بالقسط ولو على نفسه أو ابنه أو أبيه . وقيل : لا يتقي الله عبد حق تقاته حتى يخزن لسانه والتقاة من اتقى كالتؤدة من اتأد " ولا تموتن " معناه : ولا تكونن على حال سوى حال الإسلام إذا أدرككم الموت كما تقول لمن تستعين به على لقاء العدو : لا تأتني إلا وأنت على حصان فلا تنهاه عن الإتيان ولكنك تنهاه عن خلاف الحال التي شرطت عليه في وقت الإتيان . قولهم اعتصمت بحبله : يجوز أن يكون تمثيلا لاستظهاره به ووثوقه بحمايته بامتساك المتدلي من مكان مرتفع بحبل وثيق يأمن انقطاعه وأن يكون الحبل استعارة لعهده والاعتصام لوثوقه بالعهد أو ترشيحا لاستعارة الحبل بما يناسبه . والمعنى : واجتمعوا على استعانتكم بالله ووثوقكم به ولا تفرقوا عنه . أو واجتمعوا على التمسك بعهده إلى عباده وهو الإيمان والطاعة ؛ أو بكتابه لقول النبي A : " القرآن حبل الله المتين لا تنقضي عجائبه ولا يخلق عن كثرة الرد من قال به صدق ؛ ومن عمل به رشد ومن اعتصم به هدي إلى صراط مستقيم " " ولا تفرقوا " ولا تتفرقوا عن الحق بوقوع الاختلاف بينكم كما اختلفت اليهود والنصارى أو كما كنتم متفرقين في الجاهلية متدابرين يعادي بعضكم بعضا ويحاربه - أو ولا تحدثوا ما يكون عنه التفرق ويزول معه الاجتماع والألفة التي أنتم عليها مما يأباه جامعكم والمؤلف بينكم وهو اتباع الحق والتمسك بالإسلام . كانوا في الجاهلية بينهم الإحن والعداوات والحروب المتواصلة فألف الله بين قلوبهم بالإسلام . وقذف فيها المحبة فتحابوا وتوافقوا وصاروا " إخوانا " متراحمين متناصحين مجتمعين على أمر واحد قد نظم بينهم وأزال الاختلاف وهو الأخوة في الله وقيل : هم الأوس والخزرج كانا أخوين لأب وأم فوقعت بينهما العداوة وتطاولت الحروب مائة وعشرين سنة إلى أن أطفأ الله ذلك بالإسلام وألف بينهم برسول الله A " وكنتم على شفا حفرة من النار " وكنتم مشفين على أن تقعوا في نار جهنم لما كنتم عليه من الكفر " فأنقذكم منها " بالإسلام . والضمير للحفرة أو للنار أو للشفا وإنما أنث لإضافته إلى الحفرة وهو منها كما قال : .
كما شرقت صدر القناة من الدم .
وشفا الحفرة وشفتها : حرفها بالتذكير والتأنيث ولامها واو إلا أنها في المذكر مقلوبة وفي المؤنث محذوفة ونحو الشفا والشفة الجانب والجانبة . فإن قلت : كيف جعلوا على حرف حفرة من النار ؟ قلت : لو ماتوا على ما كانوا عليه وقعوا في النار فمثلت حياتهم التي يتوقع بعدها الوقوع في النار بالقعود على حرفها مشفين على الوقوع فيها " كذلك " مثل ذلك البيان البليغ " يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون " إرادة أن تزدادوا هدى .
" ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون " " ولتكن منكم أمة " من للتبعيض لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفايات ولأنه لا يصلح له إلا من علم المعروف والمنكر وعلم كيف يرتب الأمر في إقامته وكيف يباشر فإن الجاهل ربما نهى عن معروف وأمر بمنكر وربما عرف الحكم في مذهبه وجهله في مذهب صاحبه فنهاه عن غير منكر وقد يغلظ في موضع اللين ويلين في موضع الغلظة وينكر على من لا يزيده إنكاره إلا تماديا أو على من الإنكار عليه عبث كالإنكار على أصحاب المآصر والجلادين وأضرابهم : وقيل من للتبيين بمعنى : وكونوا أمة تأمرون كقوله تعالى : " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون " آل عمران : 110 . " وأولئك هم المفلحون " هم الأخصاء بالفلاح دون غيرهم . وعن النبي A أنه سئل وهو على المنبر :