أنه لما نزل قوله تعالى : " ولله على الناس حج البيت " جمع رسول الله A أهل الأديان كلهم فخطبهم فقال : إن الله كتب عليكم الحج فحجوا " فآمنت به ملة واحدة وهم المسلمون وكفرت به خمس ملل قالوا : لا نؤمن به ولا نصلي إليه ولا نحجه فنزل " ومن كفر " . وعن النبي A : " حجوا قبل أن لا تحجوا فإنه قد هدم البيت مرتين ويرفع في الثالثة " وروي .
" حجوا قبل أن لا تحجوا حجوا قبل أن يمنع البر جانبه " وعن ابن مسعود : حجوا هذا البيت قبل أن تنبت في البادية شجرة لا تأكل منها دابة إلا نفقت . وعن عمر Bه : لو ترك الناس الحج عاما واحدا ما نوظروا وقرئ حج البيت بالكسر .
" قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون " " والله شهيد " الواو للحال . والمعنى : لم تكفرون بآيات الله التي دلتكم على صدق محمد A والحال أن الله شهيد على أعمالكم فمجازيكم عليها وهذه الحال توجب أن لا تجسروا على الكفر بآياته . قرأ الحسن : تصدون من أصده " عن سبيل الله " عن دين حق علم أنه سبيل الله التي أمر بسلوكها وهو الإسلام وكانوا يفتنون المؤمنين ويحتالون لصدهم عنه ويمنعون من أراد الدخول فيه بجهدهم وقيل : أتت اليهود الأوس والخزرج فذكروهم ما كان بينهم في الجاهلية من العداوات والحروب ليعودوا لمثله " تبغونها عوجا " تطلبون لها اعوجاجا وميلا عن القصد والاستقامة . فإن قلت : كيف تبغونها عوجا وهو محال ؟ قلت فيه معنيان : أحدهما أنكم تلبسون على الناس حتى توهموهم أن فيها عوجا بقولكم : إن شريعة موسى لا تنسخ وبتغييركم صفة رسول الله A عن وجهها ونحو ذلك . والثاني : أنكم تتعبون أنفسكم في إخفاء الحق وابتغاء ما لا يتأتى لكم من وجود العوج فيما هو أقوم من كل مستقيم " وأنتم شهداء " أنها سبيل الله التي لا يصد عنها إلا ضال مضل أو وأنتم شهداء بين أهل دينكم عدول يثقون بأقوالكم ويستشهدونكم في عظائم أمورهم وهم الأحبار " وما الله بغافل " وعيد ومحل تبغونها نصب على الحال .
" يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين " قيل : مر شاس بن قيس اليهودي - وكان عظيم الكفر شديد الطعن على المسلمين شديد الحسد لهم - على نفر من الأنصار من الأوس والخزرج في مجلس لهم يتحدثون فغاظه ذلك حيث تألفوا واجتمعوا بعد الذي كان بينهم في الجاهلية من العداوة وقال : ما لنا معهم إذا اجتمعوا من قرار فأمر شابا من اليهود أن يجلس إليهم ويذكرهم يوم بعاث وينشدهم بعض ما قيل فيه من الأشعار وكان يوما اقتتلت فيه الأوس والخزرج وكان الظفر فيه للأوس . ففعل فتنازع القوم عند ذلك وتفاخروا وتغاضبوا وقالوا : السلاح السلاح فبلغ النبي A فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين والأنصار فقال : أتدعون الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ أكرمكم الله بالإسلام وقطع به عنكم أمر الجاهلية وألف بينكم . فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم فألقوا السلاح وبكوا وعانق بعضهم بعضا ثم انصرفوا مع رسول الله A فما كان يوم أقبح أولاوأحسن آخرا من ذلك اليوم .
" وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم " " وكيف تكفرون " معنى الاستفهام فيه الإنكار والتعجيب والمعنى : من أين يتطرق إليكم الكفر والحال أن آيات الله وهي القرآن المعجز " تتلى عليكم " على لسان الرسول غضة طرية وبين أظهركم رسول الله A ينبهكم ويعظكم ويزيح شبهكم " ومن يعتصم بالله " ومن يتمسك بدينه . ويجوز أن يكون حثا لهم على الالتجاء إليه في دفع شرور الكفار ومكايدهم " فقد هدي " فقد حصل له الهدى لا محالة كما تقول : إذا جئت فلانا فقد أفلحت كأن الهدى قد حصل فهو يخبر عنه حاصلا . ومعنى التوقع في " قد " ظاهر لأن المعتصم بالله متوقع للهدى كما أن قاصد الكريم متوقع للفلاح عنده