أن رسول الله A لما خط الخندق عام الأحزاب وقطع لكل عشرة أربعين ذراعا وأخذوا يحفرون خرج من بطن الخندق صخرة كالتل العظيم لم تعمل فيها المعاول فوجهوا سلمان إلى رسول الله A يخبره فأخذ المعول من سلمان فضربها ضربة صدعتها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم وكبر وكبر المسلمون وقال : أضات لي منها قصور الحيرة كأنها أنياب الكلاب ثم ضرب الثانية فقال : أضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الروم ثم ضرب الثالثة فقال : أضاءت لي قصور صنعاء وأخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة على كلها فأبشروا . فقال المنافقون : ألا تعجبون يمينكم ويعدكم الباطل ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق لا تستطيعون أن تبرزوا فنزلت . فإن قلت : كيف قال : " بيدك الخير " فذكر الخير دون الشر ؟ قلت : لأن الكلام إنما وقع في الخير الذي يسوقه إلى المؤمنين وهو الذي أنكرته الكفرة فقال بيدك الخير تؤتيه أولياءك على رغم من أعدائك ولأن كل أفعال الله تعالى من نافع وضار صادر عن الحكمة والمصلحة فهو خير كله كإيتاء الملك ونزعه . ثم ذكر قدرته الباهرة بذكر حال الليل والنهار في المعاقبة بينهما وحال الحي والميت في إخراج أحدهما من الآخر وعطف عليه رزقه بغير حساب دلالة على أن من قدر على تلك الأفعال العظيمة المحيرة للأفهام ثم قدر أن يرزق بغير حساب دلالة من يشاء من عباده فهو قادر على أن ينزع الملك من العجم ويذلهم ويؤتيه العرب ويعزهم وفي بعض الكتب : أنا الله ملك الملوك قلوب الملوك ونواصيهم بيدي فإن العباد أطاعوني جعلتهم لهم رحمة وإن العباد عصوني جعلتهم عليهم عقوبة فلا تشتغلوا بسب الملوك ولكن توبوا إلي أعطفهم عليكم وهو معنى قوله E " كما تكونوا يولى عليكم " .
" لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتثوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير " نهوا أن يوالوا الكافرين لقرابة بينهم أو صداقة قبل الإسلام أو غير ذلك من الأسباب التي يتصادق بها ويتعاشر وقد كرر ذلك في القرآن " ومن يتولهم منكم فإنه منهم " المائدة : 51 ، " لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء " المائدة : 50 ، " لا تجد قوما يؤمنون بالله... " الآية المجادلة : 22 . والمحبة في الله والبغض في الله باب عظيم وأصل من أصول الإيمان " من دون المؤمنين " يعني أن لكم في موالاة المؤمنين مندوحة عن موالاة الكافرين فلا تؤثروهم عليهم " ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء " ومن يوالي الكفرة فليس من ولاية الله في شيء يقع عليه اسم الولاية يعني أنه منسلخ من ولاية الله رأسا وهذا أمر معقول فإن موالاة الولي وموالاة عدوه متنافيان قال : .
تود عدوي ثم تزعم أنني ... صديقك ليس النوك عنك بعازب .
" إلا أن تتقوا منهم تقاة " إلا أن تخافوا من جهتهم أمرا يجب اتقاؤه . وقرئ : تقية . قيل للمتقي تقاة وتقية كقولهم : ضرب الأمير لمضروبه . رخص لهم في موالاتهم إذا خافوهم والمراد بتلك الموالاة مخالفة ومعاشرة ظاهرة والقلب مطمئن بالعداوة والبغضاء وانتظار زوال المانع من قشر العصا كقول عيسى صلوات الله عليه كن وسطا وامش جانبا " ويحذركم الله نفسه " فلا تتعرضوا لسخطه بموالاة أعدائه وهذا وعيد شديد . ويجوز أن يضمن " تتقوا " معنى تحذروا وتخافوا فيعدى بمن وينتصب " تقاة " أو تقية على المصدر كقوله تعالى : " اتقوا الله حق تقاته " آل عمران : 102 .
" قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السموات وما في الأرض والله على كل شيء قدير "