" إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه " من ولاية الكفار أو غيرها مما لا يرضي الله " يعلمه " ولم يخف عليه وهو الذي " ويعلم ما في السموات وما في الأرض " لا يخفى عليه من شيء قط . فلا يخفى عليه سركم وعلنكم " والله على كل شيء قدير " فهو قادر على عقوبتكم . وهذا بيان لقوله : " ويحذركم الله نفسه " آل عمران : 28 ، لأن نفسه وهي ذاته المميزة من سائر الذوات متصفة بعلم ذاتي لا يختص بمعلوم دون معلوم فهي متعلقة بالمعلومات كلها وبقدرة ذاتية لا تختص بمقدور دون مقدور فهي قادرة على المقدروات كلها فكان حقها أن تحذر وتتقى فلا يجسر أحد على قبيح ولا يقصر عن واجب فإن ذلك مطلع عليه لا محالة فلاحق به العقاب ولو علم بعض عبيد السلطان أنه أراد الاطلاع على أحواله فوكل همه بما يورد ويصدر ونصب عليه عيونا وبث من يتجسس عن بواطن أموره لأخذ حذره وتيقظ في أمره واتقى كل ما يتوقع فيه الاسترابة به فما بال من علم أن العالم الذات الذي يعلم السر وأخفى مهيمن عليه وهو آمن . اللهم إنا نعوذ بك من اغترارنا بسترك .
" يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد " " يوم تجد " منصوب بتود . والضمير في بينه لليوم أي يوم القيامة حين تجد كل نفس خيرها وشرها حاضرين تتمنى لو أن بينها وبين ذلك اليوم وهو له أمدا بعيدا . ويجوز أن ينتصب " يوم تجد " بمضمر نحو : اذكر ويقع على ما عملت وحده ويرتفع " وما عملت " على الابتداء و " تود " خبره أي : والذي عملته من سوء تود هي لو تباعد ما بينها وبينه . ولا يصح أن تكون ما شرطية لارتفاع تود . فإن قلت : فهل يصح أن تكون شرطية على قراءة عبد الله ودت ؟ قلت : لا كلام في صحته ولكن الحمل على الابتداء والخبر أوقع في المعنى لأنه حكاية الكائن في ذلك اليوم وأثبت لموافقة قراءة العامة . ويجوز أن يعطف " وما عملت " على " ما عملت " ويكون " تود " حالا أي يوم تجد عملها محضرا وادة تباعد ما بينها وبين اليوم أو عمل السوء محضرا كقوله تعالى : " ووجدوا ما عملوا حاضرا " الكهف : 49 ، يعني مكتوبا في صحفهم يقرؤنه ونحوه " فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه " المجادلة : 6 . والأمد المسافة كقوله تعالى : " يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين " الزخرف : 38 ، وكرر قوله : " ويحذركم الله نفسه " ليكون على بال منهم لا يغفلون عنه " والله رؤوف بالعباد " يعني أن تحذيره نفسه وتعريفه حالها من العلم والقدرة من الرأفة العظيمة بالعباد لأنهم إذا عرفوه حق المعرفة وحذروه دعاهم ذلك إلى طلب رضاه واجتناب سخطه . وعن الحسن : من رأفته بهم أن حذرهم نفسه . ويجوز أن يريد أنه مع كونه محذورا عللمه وقدرته مرجو لسعة رحمته كقوله تعالى : " إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم " فصلت : 43 .
" قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين " محبة العباد لله مجاز عن إرادة نفوسهم اختصاصه بالعبادة دون غيره ورغبتهم فيها . ومحبة الله عباده أن يرضى عنهم ويحمد فعلهم . والمعنى : إن كنتم مريدين لعباد الله على الحقيقة " فاتبعوني " حتى يصح ما تدعونه من إرادة عبادته يرض عنكم ويغفر لكم . وعن الحسن : زعم أقوام على عهد رسول الله A أنهم يحبون الله فأراد أن يجعل لقولهم تصديقا من عمل فمن ادعى محبته وخالف سنة رسوله فهو كذاب وكتاب الله يكذبه . وإذا رأيت من يذكر محبة الله ويصفق بيديه مع ذكره ويطرب وينعر ويصعق فلا تشك في أنه لا يعرف ما الله ولا يدري ما محبة الله . وما تصفيقه وطربه ونعرته وصعقته إلا أنه تصور في نفسه الخبيثة صورة مستملحة معشقة فسماها الله بجهله ودعارته ثم صفق وطرب ونعر وصعق تصورها وربما رأيت المني قد ملأ إزار ذلك المحب عند صعقته وحمقى العامة على حواليه قد ملؤا أدرانهم بالدموع لما رققهم من حاله . وقرئ : تحبون . ويحببكم و يحبكم من حبه يحبه . قال : .
أحب أبا ثروان من حب تمره ... وأعلم أن الرفق بالجار أرفق .
ووالله لولا تمره ما حببته ... ولا كان أدنى من عبيد ومشرق