" عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يركى أو يذكر فتنفعه الذكرى أما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى " أتى رسول الله A ابن أم مكتوم - و أم مكتوم أم أبيه واسمه عبد الله بن شريح بن مالك بن ربيعة الفهري من بين عامر بن لؤي - وعنده صناديد قريش : عتبة وسبية ابنا ربيعة وأبو جهل بن هشام . والعباس بن عبد المطلب وأمية بن خلف والوليد بن المغيرة يدعوهم إلى الإسلام رجاء أن يسلم بإسلامهم غيرهم - فقال : يا رسول الله أقرئني وعلمني مما علمك الله وكرر ذلك وهو لا يعلم تشاغله بالقوم فكره رسول الله A قطعة لكلامه وعبس وأعرض عنه فنزلت فكان رسول الله A بكرمه ويقول إذا رآه : مرحبا بمن عاتبني فيه ربي ويقول له : هل لك من حاجة ؟ واستخلفه على المدينة مرتين ؛ وقال أنس : رأيته يوم القادسية وعليه درع وله راية سوداء . وقرئ عبس بالتشديد للمبالغة ؛ ونحوه : كلح " أن جاءه " منصوب بتولى أو بعبس على اختلاف المذهبين . ومعناه : عبس لأن جاءه الأعمى . أو أعرض لذلك . وقرئ ءاأن جاءه بهمزنتين وبألف بينهما ووقف على " عبس وتولى " ثم ابتديء على معنى : ألأن جاءه الأعمى فعل ذلك إنكارا عليه . وروى أنه ما عبس بعدها في وجه فقير قط ولا تصدى لغني . وفي الإخبار عما فرط منه ثم الإقبال عليه بالخطاب : دليل على زيادة الإنكار كمن يشكو إلى الناس جانيا جبنى عليه تم يقبل على لجاني إذا حمى في الشكاية مواجها له بالتوبيخ وإلزام الحجة . وفي ذكر الأعمى نحو من ذلك كأنه يقول : قد استحق عنده العبوس والإعراض لأنه أعمى وكان يجب أن يزيده لعماه تعطفا وترؤفا وتقريبا وترحيبا ولقد تأدب الناس بأدب الله في هذا تأدبا حسنا ؛ فقد روي عن سفيان الثوري C أن الفقراء كانوا في مجلسه أمراء " وما يدريك " وأي شيء يجعلك داريا بحال هذا الأعمى ؟ " لعله يزكى " أي يتطهر بما يتلقن من الشرائع من بعض أوضار الإثم " أو يذكر " أو يتعظ " فتنفعه " ذكراك أي : موعظتك ؛ وتكون له لطفا في بعض الطاعات . والمعنى : أنك لا تدري ما هو مترقب منه من تزك أو تذكر ولو دريت لما فرط ذلك منك . وقيل : الضمير في " لعله " للكافر . يعني أنك طعمت في أن يتزكى بالإسلام أو يتذكر فتقربه الذكرى إلى قبول الحق ؛ وما يدريك أن ما طعمت فيه كائن . وقرئ فتنفعه بالرفع عطفا على يذكر . وبالنصب جوابا للعل كقوله : " فأطلع إلى إله موسى " غافر : 37 ، " تصدى " تتعرض بالإقبال عليه والمصاداة المعارضة ؛ وقرئ تصدى بالتشديد بإدغام التاء في الصاد . وقرأ أبو جعفر : تصدى بضم التاء أي : تعرض . ومعناه : يدعةك داع إلى التصدي له : من الحرص والتهالك على إسلامه وليس عليك بأس في أن لا يتزكى بالإسلام " إن عليك إلا البلاغ " الشورى : 48 ، " يسعى " يسرع في طلب الخير " وهو يخشى " الله أو يخشى الكفار وأذاهم في إتيانك . وقيل : جاء وليس معه قائد فهو يخشى الكبوة " تلهى " تتشاغل من لهى عنه . والتهى . وتلهى . وقرأ طلحة بن مصرف : تتلهى وقرأ أبو جعفر تلهى أي : يلهيك شأن الصناديد فإن قلت : قوله : " فأنت له تصدى " " فأنت عنه تلهى " كأن فيه اختصاصا قلت : نعم ومعناه : إنكار التصدي والتلهي عليه أي : مثلك خصوصا لا ينبغي له أن يتصدى للغني ويتلهى عن الفقير .
" كلا إنها تذكرة فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام برره " " كلا " ردع عن المعاتب عليه وعن معاودة مثله " إنها تذكرة " أي موعظة يجب الاتعاظ والعلمل بموجبها " فمن شاء ذكره " أي كان حافظا له غير ناس وذكر الضمير لأن التذكرة في معنى الذكر والوعظ " في صحف " صفة لتذكرة يعني : انها مثبتة في صحف منسخة من اللوح " مكرمة " عند الله " مرفوعة " في السماء . أو مرفوعة المقدار " مطهرة " منزهة عن أيدي السياطين لا يمسها إلا أيدي ملائكة مطهرين " سفرة " كتبة ينتسخون الكتب من اللوح " بررة " أتقياء . وقيل : هي صحف النبياء كقوله : " إن هذا لفي الصحف الأولى " الأعلى : 18 وقيل السفرة : القراء وقيل : أصحاب رسول الله A