" قتل الإنسان ما أكفره من أي شيء خلقه من نطفه فقدوم ثم السبيل يسره ثم أماته فأقبره ثم إذا ساء أنشره كلا لما يقضى ما أمره " " قتل الإنسان " دعاء عليه وهي من أشنع دعواتهم لأن القتل قاصارى شدائد الدنيا وفظائعها . و " ما أكفره " تعجب من إفراطه في كفران نعمة الله ولا ترى أسلوبا أغلظ منه ولا أخشن مسا ولا أدل على سخط ولا أبعد شوطا في المذمة مع تقارب طرفيه ولا أجمع للأئمة على قصر متنه ثم أخذ في وصف حاله من ابتداء حدوثه إلى أن انتهى وما هو مغمور فيه من أصول النعم وفروعها . وما هو غارز فيه رأسه من الكفران والغمط وقلة الالتفات إلى ما يتقلب فيه إلى ما يجب عليه من القيام بالشكر " من أي شيء خلقه " من أي شيء حقير مهين خلقه ثم بين ذلك الشيء بقوله : " من نطفة خلقه فقدره " فهيأه لما يصلح له ويختص به . ونحو " وخلق كل شيء فقدره تقديرا " الفرقان : 2 ، نصب السبيل بإضمار يسر وفسره بيسر والمعنى : ثم سهل سبيله وهو مخرجه من بطن أمه . أو السبيل الذي يختار سلوكه من طريقي الخير والشر بإقداره وتمكينه كقوله : " إنا هديناه السبيل " الإنسان : 3 وعن ابن عباس Bهما : بين له سبيل الخير والشر " فأقبره " فجعله ذا قبر يوارى فيه تكرمة له ولم يجعله مطروحا على وجه الأرض جزرا للسباع والطير كسائر الحيوان . يقال : قبر الميت إذا دفنه . وأقبره الميت . إذا أمره أن يقبره وكنه منه . ومنه قول من قال للحجاج : أقبرنا صالحا " أنشره " أنشأه النشأة الأخرى . وقرئ نشره " كل " ردع للإنسان عما هو عليه " لما يقض " لم يقض بعد مع تطاول الزمان وامتداده من لدن آدم إلى هذه الغاية " ما أمره " الله حتى يخرج عن جميع أوامره يعني : أن إنسانا لم يخل من تقصير قط .
" فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا متاعا لكم ولا نعامكم " ولما عدد النعم في نفسه : اتبعه ذكر النعم فيما يحتاج إليه فقال : " فليظر الإنسان إلى طعامه " إلى مطعمه الذي يعيش به كيف دبرنا أمره أنا صببنا الماء يعني الغيث . قرئ بالكسر على الاستئناف وبالفتح على البدل من الطعام وقرأ الحسين بن علي Bهما أنى صببنا بالإمالة على معنى : فلينظر الإنسان كيف صببنا الماء .
وشققنا : من شق الأرض بالنبات ويجوز أن يكون من شقها بالكراب على البقر ؛ وأسند الشق إلى نفسه إسناد الفعل إلى السبب . والحب : كل ما حصد من نحو الحنطة والشعير وغيرهما . والقضب : الرطبة والمقضاب : أرضه سمي بمصدر قضبه إذا قطعه ؛ لأنه يقضب مرة بعد مرة " وحدائق غلبا ط يحتمل أن يجعل كل حديقة غلباء فيريد تكاثفها وكثرة أشجارها وعظمها كما تقول : حديقة ضخمة وأن يجعل شجرها غلبا أي : عظاما غلاظا . والأصل في الوصف بالغلب : الرقاب ؛ فاستعير . قال عمرو بن معد يكرب : .
يمشي بها غلب الرقاب كأنهم ... يزيل كسين من الكحيل جلالا .
والأب : المرعى لأنه يؤب أي يؤم وينتجع . والأب والأم أخوان قال : .
جذمنا قيس ونجد دارنا ... ولنا الأب به والمكرع