" يوما مفعول به أي : فكيف تقون أنفسكم يوم القيامة وهو له إن بقيتم على الكفر . ولم تؤمنوا وتعملوا صالحا . ويجوز أن يكون ظرفا أي : فكيف لكم بالتقوى في يوم القيامة إن كفرتم في الدنيا ويجوز أن ينتصب بكفرتم على تأويل جحدتم أي فكيف تتقون الله وتخشونه إن جحدتم يوم القيامة والجزاء لن تقوى الله خوف عقابه " يجعل الولدان شيبا " مثل في الشدة يقال في اليوم الديد : يوم يشبب نواصي الأطفال والأصل فيه : أن الهموم والأحزان إذا تفاقمت على الإنسان أسرع فيه الشيب . قال أبو الطيب : .
والهم يخترم الجسيم نحافة ... ويشيب ناصية الصبي ويهرم .
وقد مر بي في بعض الكتب أن رجلا أمسى فاحم الشعر كحنك الغراب . وأصبح وهو أبيض الرأس واللحية كالثغامة فقال : أريت القيامة والجنة والنار في المنام ورأيت الناس يقادون في السلاسل إلى النا فمن هول ذلك أصبحت كما ترون . ويجوز أن يوصف اليوم بالطول . وأن الأطفال يبلغون فيه أو ان الشيخوخة والشيب " السماءمنفطر به " وصف لليوم بالشدة أيضا . وأن السماء على عظمها وإحكامها تنفطر فيه فما ظنك بغيرها من الخلائق . وقرئ : منفطر ومنفطر والمعنى : ذات انفطار . أو على تأويل السماء بالسقف أو على تأويل السماء شئ منفطر والباء في " به " مثلها في قولك : فطرت العود بالقدوم فانفطر به يعني : أنها تنفطر بشدة ذلك اليوم وهوله كما ينفطر الشيء بما يفطر به . ويجوز أن يراد السماء مثقلة به إثقالا يؤدي إلى انفطارها لعظمه عليها وخشيتها من وقوعه كقوله : " ثقلت في السموات والأرض " الأعراف : 187 ، " وعدم " من إضافة المصدر إلى المفعول والضمير لليوم . ويجوز أن يكون مضافا إلى الفاعل وهو الله عز وعلا ولم يجر له ذكر لكونه معلوما .
" إن هذه تذكرة فمن شآء اتخذ إلى ربه سبيلا " " إن هذه " الآيات الناطقة بالوعيد الشديد " تذكرة " موعظة " فمن شآء " اتعظ بها . واتخذ سبيلا إلى الله بالتقوى والخشية . ومعنى اتخاذ السبيل إليه : التقرب والتوسل بالطاعة .
" إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي التل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر اليل والنهار علم أن لن تخصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرءان علم أن سيكون منكم مرضى وءاخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وءاخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلواة وءاتوا الزكواة وأقرضوا اله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم " " أدنى من ثلثي اليل " أقل منهما ؛ وإنما استعير الأدنى وهو الأقرب للأقل ؛ لأن المسافة بين الشيئين إذا دنت : قل ما بينهما من الأحياز ؛ وإذا بعدت كثر ذلك . وقرئ ونصفه وثلثه بالنصب على أنك نقوم أقل من الثلثين وتقوم النصف والثلث : وهو مطابق لما مر في أول السورة : من التخيير بين قيام النصف بتمامه وبين قيام الناقص منه وهو الثلث - وبين قيام الزائد عليه - وهو الأدنى من الثلثين . وقرئ ونصفه وثلثه : بالجر أي : تقوم أقل من الثلثين وأقل من النصف والثلث وهو مطابق لتخيير بين النصف : وهو أدنى من الثلثين والثلث : وهو أدنى من النصف . والربع : وهو أدنى من الثلث وهو الوجه الخير " وطائفة من الذين معك " ويقوم ذلك جماعة من أصحابك " والله يقدر اليل والنهار " ولا يقدر على تقدير الليل والنهار ومعرفة مقادير ساعاتهما إلا اله وحده ؛ وتقديم اسمه D مبتدأ مبنيا عليه يقدر هو الدال على معنى الاختصاص بالتقدير ؛ والمعنى : أنكم لا تقدرون عليه والضمير في " لن تحصوه " لمصدر يقدر أي علم أنه لا يصح منكم ضبط الأوقات ولا يتأتى حسابها باتعديل والتسوية إلا أن تأخذوا بالأوسع للاحتياط : وذلك شاق عليكم بالغ منكم " فتاب عليكم " عبارة عن الترخيص في ترك القيام المقدر . كقوله : " فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن " البقرة : 187 والمعنى : أنه رفع التبعة في تركه عنكم كما يرفع التبعة عن التائب