يخطر ببال غير ما هو عليه من مورده : أمنت وقوع اللبس فيها وقداتفقت في المصحف أشياء خارجة عن القياسات التي بني عليها علم الخط والهجاء ثم ما عاد ذلك بضير ولا نقصان لاستقامة اللفظ وبقاء الحفظ وكان آتباع خط المصحف سنة لا تخالف . قال عبد الله بن درستويه في كتابه : المترجم بكتاب الكتاب المتمم : في الخط والهجاء خطان لا يقاسان : خط المصحف لأنه سنة وخط العروض لأنه يثبت فيه ما أثبته اللفظ ويسقط عنه ما أسقطه . الوجه الثاني : أن يكون ورود هذه الأسماءهكذا مسروده على نمط التعديد كالإيقاظ وقرع العصا لمن تحدى بالقران وبغرابة نظمه وكالتحريك للنظر في أن هذا المتلو عليهم وقد عجزوا عنه عن اخرهم كلام منظوم من عين ما ينظمون منه كلامهم ليؤديهم النظر إلى أن يستيقنوا أن لم تتساقط مقدرتهم دونه ولم تظهر معجزتهم عن أن يأتوا بمثله بعد المراجعات المتطاولة وهم أمراء الكلام وزعماء الحوار وهم الحراص على التساجل في اقتضاب الخطب والمتهالكون على الافتنان في القصيد والرجز ولم يبلغ من الجزالة وحسن النظم المبالغ التي بزت بلاغة كل ناطق وشقت غبار كل سابق ولم يتجاوز الحد الخارج من قوى الفصحاء ولم يقع وراء مطامح أعين البصراء إلا لأنه ليس بكلام البشر وأنه كلام خالق القوى والقدر . وهذا القول من القوة والخلاقة بالقبول بمنزل ولناصره على الأول أن يقول : إن القران إنما نزل بلسان العرب مصبوبأ في أساليبهم واستعمالاتهم والعرب لم تتجاوز ما سموا به مجموع اسمين ولم يسم أحد منهم بمجموع ثلاثة أسماء وأربعة وخمسة والقول بأنها أسماء السور حقيقة : يخرج إلى ما ليس في لغة العرب ويؤدي أيضاإلى صيرورة الاسم والمسمى واحدا . فإن اعترضت عليه بأنه قول مقول على وجه الدهر وأنه لا سبيل إلى رده أجابك بأن له محملا سوىما يذهب إليه وأنه نظير قول الناس : فلان يروي : قفا نبك وعفت الديار . ويقول الرجل لصاحبه : ما قرأت فيقول : " الحمد لله " " وبراءةمن الله ورسوله " التوبة : " ويوصيكم الله في أولادكم " النساء : " والله نور السموات والأرض " النور : . وليست هذه الجمل بأسامي هذه القصائد وهذه السور والآي وإنما تعني رواية القصيدة التي ذاك استهلالها وتلاوة السورة أو الآية التي تلك فاتحتها . فلما جرى الكلام على أسلوب من يقصد التسمية واستفيد منها ما يستفاد من التسمية قالوا ذلك على سبيل المجاز دون الحقيقة . وللمجيب عن الاعتراضين على الوجه الأول أن يقول : التسمية بثلاثة أسماء فصاعدا مستنكرة لعمري وخروج عن كلام العرب ولكن إذا جعلت اسما واحدا على طريقة حضرموت فأما غير مركبة منثورة نثر أسماء العدد فلا استنكار فيها لأنها من باب التسمية بما حقه أن يحكى حكاية كما سموا : بتأبط شرا وبرق نحره وشاب قرناها . وكما لو سمي : بزيد منطلق أو بيت شعر . وناهيك بتسوية سيبويه بين التسمية بالجملة والبيت من الشعر وبين التسمية بطائفة من أسماء حروف المعجم دلالة قاطعة على صحة ذلك . وأما تسمية السورة كلها بفاتحتها فليست بتصيير الاسم والمسمى واحدا لأنها تسمية مؤلف بمفرده والمؤلف غير المفرد . ألا ترى أنهم جعلوا اسم الحرف مؤلفا منه ومن حرفين مضمومين إليه كقولهم : صاد فلم يكن من جعل الاسم والمسمى واحدا حيث كان الاسم مؤلفا والمسمى مفردا . الوجه الثالث : أن ترد السور مصدرة بذلك ليكون أول ما يقرع الأسماع مستقلا بوجه من الإعراب وتقدمة من دلائل الإعجاز . وذلك أن النطق بالحروف أنفسها كانت العرب فيه مستوية الأقدام : الأميون منهم وأهل الكتاب بخلاف النطق بأسامي الحروف . فإنه كان مختصا بمن خط وقرأ وخالط أهل الكتاب وتعلم منهم وكان مستغربا مستبعدا من الأمي التكلم بها استبعاد الخط والتلاوة كما قال D : " وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون " العنكبوت : فكان حكم النطق بذلك مع اشتهار أنه لم يكن ممن اقتبس شيئا من أهله حكم الأقاصيص المذكورة في القران التي لم تكن قريش ومن دان بدينها في شيء من الإحاطة بها في أن ذلك حاصل له من جهة الوحي وشاهد بصحة نبوته وبمنزلة أن يتكلم بالرطانة من غير أن يسمعها من أحد . واعلم أنك إذا تأملت ما أورده الله عز سلطانه في الفواتح من هذه الأسماء . وجدتها نصف أسامي