" الذين يظاهرون منكم " في " منكم " توبيخ للعرب وتهجين لعادتهم في الظهار لأنه كان من أيمان أهل جاهليتهم خاصة دون سائر الأمم " ما هن أمهاتهم " وقرئ : بالرفع على اللغتين الحجازية والتميمية . وفي قراءة ابن مسعود : " بأمهاتهم " وزيادة الباء في لغة من ينصب . والمعنى أن من يقول لامرأته أنت علي كظهر أمي : ملحق في كلامه هذا للزوج بالأم وجاعلها مثلها . وهذا تشبيه باطل لتباين الحالين " إن أمهاتهم إلا اللاتي ولدنهم " يريد أن الأمهات على الحقيقة إنما هن الوالدات وغيرهن ملحقات بهن لدخولهن في حكمهن فالمرضعات أمهات ؛ لأنهن لما أرضعن دخلن بالرضاع في حكم الأمهات وكذلك أزواج رسول الله A أمهات المؤمنين ؛ لأن الله حرم نكاحهن على الأمة فدخلن بذلك في حكم الأمهات . وأما الزوجات فأبعد شيء من الأمومة لأنهن لسن بأمهات على الحقيقة . ولا بداخلات في حكم الأمهات فكان قول المظاهر : منكرا من القول تنكره الحقيقة وتنكره الأحكام الشرعية وزورا وكذبا باطلا منحرفا عن الحق " وإن الله لعفو غفور " لما سلف منه إذا تيب منه ولم يعد إليه ثم قال : " والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا " يعني : والذين كانت عادتهم أن يقولوا هذا القول المنكر فقطعوه بالإسلام ثم يعودون لمثله فكفارة من عاد أن يحرر رقبة ثم يماس المظاهر منها لا تحل له مماستها إلا بعد تقديم الكفارة . ووجه آخر : ثم يعودون لما قالوا : ثم يتداركون ما قالوا ؛ لأن المتدارك للأمر عائد إليه . ومنه المثل : عاد غيث على ما أفسد أي : تداركه بالإصلاح . والمعنى : أن تدارك هذا القول وتلافيه بأن يكفر حتى ترجع حالهما كما كانت قبل الظهار . ووجه ثالث : وهو أن يراد بما قالوا : ما حرموه على أنفسهم بلفظ الظهار تنزيلا للقول منزلة المقول فيه نحو ما ذكرنا في قوله تعالى : " ونرثه ما يقول " مريم : 80 ويكون المعنى : ثم يريدون العود للتماس . والمماسة : الاستمتاع بها من جماع أو لمس بشهوة أو نظر إلى فرجها لشهوة " ذلكم " الحكم " توعظون به " لأن الحكم بالكفارة دليل على ارتكاب الجناية فيجب أن تتعظوا بهذا الحكم حتى لا تعودوا إلى الظهار وتخافوا عقاب الله عليه . فإن قلت : هل يصح الظهار بغير هذا اللفظ ؟ قلت : نعم إذا وضع مكان أنت عضوا منها يعبر به عن الجملة كالرأس والوجه والرقبة والفرج أو مكان الظهر عضوا آخر يحرم النظر إليه من الأم كالبطن والفخذ . ومكان الأم ذات رحم محرم منه من نسب أو رضاع أو صهر أو جماع نحو أن يقول : أنت علي كظهر أختي من الرضاع أو عمتي من النسب أو امرأة ابني أو أبي أو أم امرأتي أو ابنتها فهو مظاهر . وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه . وعن الحسن والنخعي والزهري والأوزاعي والثوري وغيرهم نحوه . وقال الشافعي : لا يكون الظهار إلا بالأم وحدها وهو قول قتادة والشعبي . وعن الشعبي : لم ينس الله أن يذكر البنات والأخوات والعمات والخالات ؛ إذ أخبر أن الظهار إنما يكون بالأمهات الوالدات دون المرضعات . وعن بعضهم : لا بد من ذكر الظهر حتى يكون ظهارا . فإن قلت : فإذا امتنع المظاهر من الكفارة هل للمرأة أن ترافعه ؟ قلت : لها ذلك . وعلى القاضي أن يجبره على أن يكفر وأن يحبسه ؛ ولا شيء من الكفارات يجبر عليه ويحبس إلا كفارة الظهار وحدها لأنه يضر بها في ترك التكفير والامتناع من الاستمتاع فيلزم إيفاء حقها . فإن قلت : فإن مس قبل أن يكفر ؟ قلت : عليه أن يستغفر ولا يعود حتى يكفر لما روي :