" فلولا تصدقون " تحضيض على التصديق : إما بالخلق لأنهم وإن كانوا مصدقين به إلا أنهم لما كان مذهبهم خلاف ما يقتضيه التصديق فكأنهم مكذبون به . وإما بالبعث ؛ لأن من خلق أولا لم يمتنع عليه أن يخلق ثانيا " ماتمنون " ما تمنونه أي : تقذفونه في الأرحام من النطف - وقرأ أبو السمال بفتح التاء - يقال : أمنى النطفة ومناها . قال الله تعالى : " من نطفة إذا تمنى " النجم : 46 . " تخلقونه " تقدرونه " قدرنا بينكم الموت " تقديرا وقسمناه عليكم قسمة الرزق على اختلاف وتفاوت كما تقتضيه مشيئتنا فاختلفت أعماركم من قصير وطويل ومتوسط . وقرئ : " قدرنا " بالتخفيف . سبقته على الشيء : إذا أعجزته عنه وغلبته عليه ولم تمكنه منه فمعنى قوله : " وما نحن بمسبوقين على أن نبدل أمثالكم " أنا قادرون على ذلك لا تغلبوننا عليه وأمثالكم جمع مثل : أي على أن نبدل منكم ومكانكم أشباهكم من الخلق وعلى أن " ننشأكم " في خلق لا تعلمونها وما عهدتم بمثلها يعني : أنا نقدر على الأمرين جميعا : على خلق ما يماثلكم وما لا يماثلكم ؛ فكيف نعجز عن إعادتكم . ويجوز أن يكون " أمثالكم " جمع مثل أي : على أن نبدل ونغير صفاتكم التي أنتم عليها في خلقكم وأخلاقكم وننشئكم في صفات لا تعلمونها . قرئ : " النشأة " والنشاءة . وفي هذا دليل على صحة القياس حيث جهلهم في ترك قياس النشأة الأخرى على الأولى .
" أفرءيتم ما تحرثون . ءأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون . لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون . إنا لمغرمون . بل نحن محرومون . " " أفرأيتم ما تحرثون " ه من الطعام أي : تبذرون حبه وتعلمون في أرضه " ءأنتم تزرعونه " تنبتونه وتردونه نباتا وينمي إلى أن يبلغ الغاية . وعن رسول الله A : " لا يقولن أحدكم : زرعت وليقل : حرثت " قال أبو هريرة : أرأيتم إلى قوله : " أفرءيتم... " الآية . والحطام : من حطم كالفتات والجذاذ من فت وجذ : وهو ما صار هشيما وتحطم " فظلتم " وقرئ بالكسر " فظللتم " على الأصل " تفكهون " تعجبون . وعن الحسن Bه : تندمون على تعبكم فيه وإنفاقكم عيه . أو على ما اقترفتم من المعاصي التي أصبتم بذلك من أجلها . وقرئ : " تفكنون " ومنه الحديث : " مثل العالم كمثل الحمة يأتيها البعداء ويتركها القرباء فبيناهم إذ غار ماؤها فانتفع بها قوم وبقي قوم يتفكنون " أي : يتندمون " أنا لمغرمون " لملزمون غرامة ما أنفقنا . أو مهلكون لهلاك رزقنا من الغرام : وهو الهلاك " بل نحن " قوم " محرومون " محارفون محدودون لا حظ لنا ولا بخت لنا ؛ ولو كنا مجدودين لما جرى علينا هذا . وقرئ : " أئنا " .
" أفرءيتم الماء الذي تشربون . ءأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون . لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون " .
" الماء الذي تشربون " يريد : الماء العذب الصالح للشرب . و " المزن " السحاب : الواحدة مزنة . وقيل : هو السحاب الأبيض خاصة وهو أعذب ماء " أجاجا " ملحا زعاقا لا يقدر على شربه . فإن قلت : لم أدخلت اللام على جواب " لو " في قوله : " لجعلناه حطاما " الواقعة65 ونزعت منه ههنا ؟ قلت : إن " لو " لما كانت داخلة على جملتين معلقة ثانيهما بالأولى تعلق الجزاء بالشرط ولم تكن مخلصة للشرط كإن ولا عاملة مثلها وإنما سرى فيها معنى الشرط اتفاقا من حيث إفادتها في مضموني جملتيها أن الثاني امتنع لامتناع الأول افتقرت في جوابها إلى ما ينصب علما على هذا التعلق فزيدت هذه اللام لتكون علما على ذلك فإذا حذفت بعد ما صارت علما مشهورا مكانه فلأن الشيء إذا علم وشهر موقعه وصار مألوفا ومأنوسا به : لم يبال بإسقاطه عن اللفظ استغناء بمعرفة السامع . ألا ترى إلى ما يحكى عن رؤبة أنه كان يقول : خير لمن قال له : كيف أصبحتظ فحذف الجار لعلم كل أحد بمكانه . وتساوي حالي حذفه وإثباته لشهرة أمره . وناهيك بقول أوس : .
حتى إذا الكلاب قال لها ... كاليوم مطلوبا ولا طلبا