وحذفه " لم أر " فإذن حذفها اختصار لفظي وهي ثابتة في المعنى فاستوى الموضعان بلا فرق بينهما ؛ على أن تقدم ذكرها والمسافة قصيرة مغن عن ذكرها ثانية ونائب عنه . ويجوز أن يقال : أن هذه اللام مفيدة معنى التوكيد لا محالة فأدخلت في آية المطعوم دون آية المشروب للدلالة على أن أمر المطعوم مقدم على أمر المشروب وأن الوعيد بفقده أشد وأصعب من قبل أن المشروب إنما يحتاج إليه تبعا للمطعوم . ألا ترى أنك إنما تسقى ضيفك بعد أن تطعمه ولو عكست قعدت تحت قول أبي العلاء : .
إذا سقيت ضيوف الناس محضا ... سقوا أضيافهم شبما زلالا .
وسقى بعض العرب فقال : أنا لا أشرب إلا على ثميلة ؛ ولهذا قدمت آية المطعوم على آية المشروب .
" أفرءيتم النار التي تورون . ءأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشؤن . نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين . فسبح باسم ربك العظيم . " " تورون " تقدحونها وتستخرجونها من الزناد والعرب تقدح بعودين تحك أحدهما على الآخر ويسمون الأعلى : الزند والأسفل : الزندة ؛ شبهوهما بالفحل والطروقة " شجرتها " التي منها الزناد " تذكرة " تذكيرا لنار جهنم حيث علقنا بها أسباب المعايش كلها وعممنا بالحاجة إليها البلوى لتكون حاضرة للناس ينظرون إليها ويذكرون ما أوعدوا به . أو جعلناها تذكرة وأنموذجا من جهنم لما روي عن رسول الله A : " ناركم هذه التي يوفد بنو آدم جزء من سبعين جزأ من حر جهنم " " ومتاعا " ومنفعة " للمقوين " للذين ينزلون القواء وهي القفر . أو للذين خلت بطونهم أو مزاودهم من الطعام . يقال : أقويت من أيام أي لم آكل شيئا " فسبح باسم ربك " فأحدث التسبيح بذكر اسم ربك أو أراد بالاسم : الذكر أي : بذكر ربك . و " العظيم " صفة للمضاف أو للمضاف إليه . والمعنى : أنه لما ذكر ما دل على قدرته وإنعامه على عباده قال : فأحدث التسبيح وهو أن يقول : سبحان الله إما تنزيها له عما يقول الظالمون الذين يجحدون وحدانيته ويكفرون نعمته وإما تعجبا من أمرهم في غمط آلائه وأياديه الظاهرة وإما شكرا لله على النعم التي عدها ونبه عليها .
" فلا أقسم بمواقع النجوم . وإنه لقسم لو تعلمون عظيم . إنه لقرءان كريم . في كتاب مكنون . لا يمسه إلا المطهرون . تنزيل من رب العالمين . " " فلا أقسم " معناه فأقسم . ولا مزيدة مؤكدة مثلها في قوله : " لئلا يعلم أهل الكتاب " الحديد29 وقرأ الحسن : " فلأقسم " . ومعناه : فلأنا أقسم : اللام لام الابتداء دخلت على جملة من مبتدأ وخبر وهي : أنا أقسم كقولك : " لزيد منطلق " ثم حذف المبتدأ ولا يصح أن تكون اللام لام القسم لأمرين أن حقها أن يقرن بها النون المؤكدة والإخلال بها ضعيف قبيح . والثاني : أن " لأفعلن " في جواب القسم للاستقبال وفعل القسم يجب أن يكون للحال " بمواقع النجوم " بمساقطها ومغاربها لعل لله تعالى في آخر الليل إذا انحطت النجوم إلى المغرب أفعالا مخصوصة عظيمة أو للملائكة عبادات موصوفة أو لأنه وقت قيام المتهجدين والمبتهلين إليه من عباده الصالحين ونزول الرحمة والرضوان عليهم ؛ فلذلك أقسم بمواقعها واستعظم ذلك بقوله " وإنه لقسم لو تعلمون عظيم . " أو أراد بمواقعها : منازلها ومسايرها وله تعالى في ذلك من الدليل على عظيم القدرة والحكمة ما لا يحيط به الوصف . وقوله : " وإنه لقسم لو تعلمون عظيم . " اعتراض في اعتراض ؛ لأنه اعترض به بين المقسم والمقسم عليه وهو قوله : " إنه لقرءان كريم . " واعترض ب " لو تعلمون " بين الموصوف وصفته . وقيل : مواقع النجوم : أوقات وقوع نجوم القرآن أي : أوقات نزولها كريم حسن مرضي في جنسه من الكتب . أو نفاع جم المنافع . أو كريم على الله " في كتاب مكنون . " مصون من غير المقربين من الملائكة لا يطلع عليه من سواهم وهم المطهرون من جميع الأدناس أدناس الذنوب وما سواها : إن جعلت الجملة صفة لكتاب مكنون وهو اللوح . وإن جعلتها صفة للقرآن ؛ فالمعنى لا ينبغي أن يمسه إلا من هو على الطهارة من الناس يعني مس المكتوب منه ومن الناس من حمله على القراءة أيضا وعن ابن عمر أحب إلي أن لا يقرأ إلا وهو طاهر وعن ابن عباس في رواية أنه كان يبيح القراءة للجنب ونحوه قول رسول الله A :