" ليسمون الملائكة " أي كل واحد منهم " تسمية الأنثى " لأنهم إذا قالوا : الملائكة بنات الله فقد سموا كل واحد منهم بنتا وهي تسمية الأنثى " به من علم " أي بذلك وبما يقولون . وفي قراءة أبي : " بها " أي : بالملائكة . أو التسمية " لا يغني من الحق شيئا " يعني إنما يدرك الحق الذي هو حقيقة الشيء وما هو عليه بالعلم والتيقن لا بالظن والتوهم " فأعرض " عن دعوة من رأيته معرضا عن ذكر الله وعن الآخرة ولم يرد إلا الدنيا ولا تتهالك على إسلامه ثم قال : " إن ربك هو أعلم " أي إنما يعلم الله من يجيب ممن لا يجيب وأنت لا تعلم فخفض على نفسك ولا تتعبها فإنك لا تهدي من أحببت وما عليك إلا البلاغ . وقوله تعالى : " ذلك مبلغهم من العلم " اعترض أو فأعرض عنه ولا تقابله إن ربك هو أعلم بالضال والمهتدي وهو مجازيهما بما يستحقان من الجزاء .
" ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزى الذين أساءوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى . الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى . " قرئ : " ليجزي " ويجزى بالياء والنون فيهما . ومعناه : أن الله عز وجل إنما خلق العالم وسوى هذه الملكوت لهذا الغرض : وهو أن يجازي المحسن من الملكفين والمسيء منهم . ويجوز أن يتعلق بقوله : " هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى " لأن نتيجة العلم بالضال والمهتدي جزاؤهما " بما عملوا " بعقاب ما عملوا من السوء . و " بالحسنى " بالمثوبة الحسنى وهي الجنة . أو بسبب ما عملوا من السوء وبسبب الأعمال الحسنى " كبائر الإثم " أي الكبائر من الإثم ؛ لأن الإثم جنس يشتمل على كبائر وصغائر والكبائر : الذنوب التي لا يسقط عقابها إلا بالتوبة . وقيل : التي يكبر عقابها بالإضافة إلى ثواب صاحبها " والفواحش " ما فحش من الكبائر كأنه قال : والفواحش منها خاصة : وقرئ : " كبير الإثم " أي : النوع الكبير منه وقيل : هو الشرك بالله . واللمم : ما قل وصغر . ومنه : اللمم المس من الجنون واللوثة منه . وألم بالمكان إذا قل فيه لبثه . وألم بالطعام : قل منه أكله : ومنه : لقاء أخلاء الصفا لمام والمراد الصغائر من الذنوب ولا يخلو قوله تعالى : " إلا اللمم " من أن يكون استثناء منقطعا أو صفة كقوله تعالى : " لو كان فيهما آلهة إلا الله " الأنبياء : 22 كأنه قيل : كبائر الإثم غير اللمم وآلهة غير الله : وعن أبي سعيد الخدري : اللمم هي النظرة والغمزة والقبلة وعن السدي : الخطرة من الذنب وعن الكلبي : كل ذنب لم يذكر الله عليه حدا ولا عذابا وعن عطاء : عادة النفس الحين بعد الحين " إن ربك واسع المغفرة " حيث يكفر الصغائر باجتناب الكبائر والكبائر بالتوبة " فلا تزكوا أنفسكم " فلا تنسبوها إلى زكاء العمل وزيادة الخير وعمل الطاعات : أو إلى الزكاء والطهارة من المعاصي ولا تثنوا عليها واهضموها فقد علم الله الزكي منكم والتقي أولا وآخرا قبل أن يخرجكم من صلب آدم وقبل أن تخرجوا من بطون أمهاتكم . وقيل : كان ناس يعملون أعمالا حسنة ثم يقولون : صلاتنا وصيامنا وحجنا فنزلت : وهذا إذا كان على سبيل الإعجاب أو الرياء : فأما من اعتقد أن ما عمله من العمل الصالح من الله وبتوفيقه وتأييده ولم يقصد به التمدح : لم يكن من المزكين أنفسهم لأن المسرة بالطاعة طاعة وذكرها شكر .
" أفرءيت الذي تولى . وأعطى قليلا وأكدى . أعنده علم الغيب فهو يرى . أم لم ينبأ بما في صحف موسى . وإبراهيم الذي وفى . ألا تزر وازرة وزر أخرى . وأن ليس للإنسان إلا ما سعى . وأن سعيه سوف يرى . ثم يجزيه الجزاء الأوفى . وأن إلى ربك المنتهى . وأنه هو أضحك وأبكى . وأنه هو أمات وأحيا . وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى . من نطفة إذا تمنى . وأن عليه النشأة الأخرى . وأنه هو أغنى وأقنى . وأنه هو رب الشعرى . وأنه أهلك عادا الأولى . وثمودا فما أبقى . وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى . والمؤتفكة أهوى . فغشها ما غشى . "