أي : هو مطواع لهوى النفس يتبع ما تدعوه إليه فكأنه يعبده كما يعبد الرجل إلهه . وقرئ : آلهة هواه لأنه كان يستحسن الحجر فيعبده فإذا رأى ما هو أحسن رفضه إليه فكأنه اتخذ هواه آلهة شتى يعبد كل وقت واحدا منها " وأضله الله على علم " وتركه عن الهداية واللطف وخذله على علم عالما بأن ذلك لا يجدي عليه وأنه ممن لا لطف له . أو مع علمه بوجوه الهداية وإحاطته بأنواع الألطاف المحصلة والمقربة " فمن يهديه من بعد " إضلال " الله " وقرئ غشاوة بالحركات الثلاث . وغشوة بالكسر والفتح . وقرئ تتذكرون .
" وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون " .
" نموت ونحيا " نموت نحن ويحيا أولادنا . أو يموت بعض ويحيا بعض . أو نكون مواتا نطفا في الأصلاب ونحيا بعد ذلك . أو يصيبنا الأمران : الموت والحياة يريدون : الحياة في الدنيا والموت بعدها وليس وراء ذلك حياة . وقرئ : نحيا بضم النون . وقرئ إلا دهر يمر ما يقولون ذلك عن علم ولكن عن ظن وتخمين : كانوا يزعمون أن مرور الأيام والليالي هو المؤثر في هلاك الأنفس وينكرون ملك الموت وقبضه الأرواح بأمر الله وكانوا يضيفون كل حادثة تحدث إلى الدهر والزمان وترى أشعارهم ناطقة بشكوى الزمان . ومنه قوله E : " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر " أي : فإن الله هو الآتي بالحوادث لا الدهر .
" وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون " .
وقرئ حجتهم بالنصب والرفع على تقديم خبر كان وتأخيره . فإن قلت : لم سمي قولهم حجة وليس بحجه قلت : لأنهم أدلوا به كما يدلي المحتج بحجته وساقوه مساقها فسميت حجة على سبيل التهكم . أو لأنه في حسبانهم وتقديرهم حجة . أو لأن في أسلوب قوله : .
تحية بينهم ضرب وجيع .
كأنه قيل : ما كان حجتهم إلا ما ليس بحجة . والمراد : نفي أن تكون لهم حجة البتة . فإن قلت : كيف وقع قوله : " قل الله يحييكم " جوابا لقولهم : " ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين " . قلت : لما أنكروا البعث وكذبوا الرسل وحسبوا أن ما قالوه قول مبكت . ألزموا ما هم مقرون به : من أن الله D هو الذي يحييهم ثم يميتهم وضم إلى إلزام ذلك إلزام ما هو واجب الإقرار به إن أنصفوا وأصغوا إلى داعي الحق وهو جمعهم إلى يوم القيامة ومن كان قادرا على ذلك كان قادرا على الإيتان بآبائهم وكان أهوان شيء عليه .
" ولله ملك السموات والأرض ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين " .
عامل النصب في " يوم يقوم " يخسر و " يومئذ " بدل من يوم تقوم " جاثية " باركة مستوفزة على الركب . وقرئ جاذية والجذو : أشد استيفازا من الجثو : لأن الجاذي هو الذي يجلس على أطراف أصابعه وعن ابن عباس Bهما : جاثية مجتمعة . وعن قتادة جماعات من الجثوة وهي الجماعة وجمعها : جثى . وفي الحديث : " من جثى جهنم " وقرئ : " كل أمة " على الابتداء وكل أمة : على الإبدال من كل أمة " إلى كتابها " إلى صحائف أعمالها فاكتفى باسم الجنس كقوله تعالى : " ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه " الكهف : 49 ، . " اليوم تجزون " محمول على القول . فإن قلت : كيف أضيف الكتاب إليهم وإلى الله D ؟ قلت : الإضافة تكون للملابسة وقد لابسهم ولابسه أما ملابسته إياهم فلأن أعمالهم مثبتة فيه . وأما ملابسته إياه فلأنه مالكه والآمر ملائكته أن يكتبوا فيه أعمال عباده " ينطق عليكم " يشهد عليكم بما عملتم " بالحق " من غير زيادة ولا نقصان " إنا كنا نستنسخ " الملائكة " ما كنتم تعملون " أي نستكتبهم أعمالكم " في رحمته " في جنته . وجواب أما محذوف تقديره : وأما الذين كفروا فيقال لهم " أفلم تكن آياتي تتلى عليكم " والمعنى ألم يأتكم رسلي فلم تكن آياتي تتلى عليكم فحذف المعطوف عليه