" ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون " .
" الكتاب " التوراة " والحكم " الحكمة والفقه . أو فصل الخصومات بين الناس لأن الملك كان فيهم والنبوة " من الطيبات " مما أحل الله لهم وأطاب من الأرزاق " وفضلناهم على العالمين " حيث لم نؤت غيرهم مثل ما آتيناهم " بينات " آيات ومعجزات " من الأمر " من أمر الدين فما وقع بينهم الخلاف في الدين " إلا من بعد ما جاءهم " ما هو موجب لزوال الخلاف وهو العلم . وإنما اختلفوا لبغي حدث بينهم أو لعداوة وحسد .
" ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغنوا عنك من الله من شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين " .
" على شريعة " على طريقة ومنهاج " من الأمر " من أمر الدين فاتبع شريعتك الثابتة بالدلائل والحجج ولا تتبع ما لا حجة عليه من أهواء الجهال ودينهم المبني على هوى وبدعة وهم رؤساء قريش حين قالوا : ارجع إلى دين آبائك . ولا توالهم إنما يوالي الظالمين من هو ظالم مثلهم وأما المتقون فوليهم الله وهم موالوه . وما أبين الفصل بين الولايتين .
" هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون " .
" هذا " القرآن " بصائر للناس " جعل ما فيه من معالم الدين والشرائع بمنزلة البصائر في القلوب . كما جعل روحا وحياة وهو هدى من الضلالة ورحمة من العذاب لمن آمن وأيقن . وقرئ هذه بصائر أي : هذه الآيات .
" أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون " .
" أم " منقطعة . ومعنى الهمزة فيها إنكار الحسبان . والاجتراح : الاكتساب ومنه الجوارح وفلان جارحة أهله أي : كاسبهم " أن نجعلهم " أي نصيرهم . وهو من جعل المتعدي إلى مفعولين فأولهما الضمير والثاني : الكاف والجملة التي هي " سواء محياهم ومماتهم " بدل من الكاف لأن الجملة تقع مفعولا ثانيا فكانت في حكم المفرد . ألا تراك لو قلت : أن نجعلهم سواء محياهم ومماتهم كان سديدا كما تقول : ظننت زيدا أبوه منطلق . ومن قرأ سواء بالنصب : أجرى سواء مجرى مستويا وارتفع محياهم ومماتهم على الفاعلية وكان مفردا غير جملة . ومن قرأ : ومماتهم بالنصب جعل محياهم ومماتهم : ظرفين كمقدم الحاج وخفوق النجم . أي سواء : سواء في محياهم وفي مماتهم . والمعنى : إنكار أن يستوي المسيئون والمحسنون محيا وأن يستووا مماتا لافتراق أحوالهم أحياء . حيث عاش هؤلاء على القيام بالطاعات وأولئك على ركوب المعاصي . ومماتا حيث مات هؤلاء على البشرى بالرحمة والوصول إلى ثواب الله ورضوانه وأولئك على اليأس من رحمة الله والوصول إلى هول ما أعد لهم . وقيل معناه إنكار أن يستووا في الممات كما استووا في الحياة لأن المسيئين والمحسنين مستو محياهم في الرزق والصحة وإنما يفترقون في الممات وقيل : سواء محياهم ومماتهم كلام مستأنف على معنى : أن محيا المسيئين ومماتهم سواء وكذلك محيا المحسنين ومماتهم : كل يموت على حسب ما عاش عليه . وعن تميم الداري Bه أنه كان يصلي ذات ليلة عند المقام فبلغ هذه الآية فجعل يبكي ويردد إلى الصباح : ساء ما يحكمون . وعن الفضيل : أنه بلغها فجعل يرددها ويبكي ويقول : يا فضيل ليت شعري من أي الفريقين أنت .
" وخلق السموات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون " .
" ولتجزى " معطوف على بالحق لأن فيه معنى التعليل . أو على معلل محذوف تقديره : خلق الله السموات والأرض ليدل به على قدرته ولتجزى كل نفس .
" أفرأيت من اتخذ إلهه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون "