يمشين رهوا فلا الأعجاز خاذلة ... ولا الصدور على الأعجاز تتكل .
أي مشيا ساكنا على هينة . أراد موسى لما جاوز البحر أن يضربه بعصاه فينطبق كما ضربه فانفلق فأمر بأن يتركه ساكنا على هيئته قارا على حاله : من انتصاب الماء وكون الطريق يبسا لا يضربه بعصاه ولا يغير منه شيئا ليدخله القبط فإذا حصلوا فيه أطبقه الله عليهم . والثاني : أن الرهو الفجوة الواسعة . وعن بعض العرب : أنه رأى جملا فالجا فقال : سبحان الله رهو بين سنامين أي : اتركه مفتوحا على حاله منفرجا " إنهم جند مغرقون " وقرئ بالفتح بمعنى : لأنهم .
" كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين " .
والمقام الكريم : ما كان لهم من المجالس والمنازل الحسنة . وقيل : المنابر . والنعمة بالفتح من التنعم وبالكسر من الإنعام . وقرئ : فاكهين وفكهين .
" كذلك وأورثناها قوما آخرين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين " .
" كذلك " الكاف منصوبة على معنى : مثل ذلك الإخراج أخرجناهم منها " وأورثناها " أو في موضع الرفع على الأمر كذلك " قوما آخرين " ليسوا منهم في شيء من قرابة ولا دين ولا ولاء وهم بنو إسرائيل : كانوا متسخرين مستعبدين في أيديهم فأهلكهم الله على أيديهم وأورثهم ملكهم وديارهم . إذا مات رجل خطير قالت العرب في تعظيم مهلكه : بكت عليه السماء والأرض وبكته الريح وأظلمت له الشمس . وفي حديث رسول الله A : " ما من مؤمن مات في غربة غابت فيها بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض " . وقال جرير : .
تبكي عليك نجوم الليل والقمرا .
وقالت الخارجية : .
أيا شجر الخابور مالك مورقا ... كأنك لم تجزع على ابن طريف .
وذلك على سبيل التمثيل والتخييل مبالغة في وجوب الجزع والبكاء عليه وكذلك ما يروى عن ابن عباس Bهما : من بكاء مصلي المؤمن وآثاره في الأرض ومصاعد عمله ومهابط رزقه في السماء تمثيل ونفي ذلك عنهم في قوله تعالى : " فما بكت عليهم السماء والأرض " فيه تهكم بهم وبحالهم المنافية لحال من يعظم فقده : فيقال فيه : بكت عليه السماء والأرض . وعن الحسن : فما بكى عليهم الملائكة والمؤمنون بل كانوا بهلاكهم مسرورين يعني : فما بكى عليهم أهل السماء وأهل الأرض " ما كانوا منظرين " لما جاء وقت هلاكهم لم ينظروا إلى وقت آخر ولم يمهلوا إلى الآخرة بل عجل لهم في الدنيا .
" ولقد أنجينا بني إسرائيل من العذاب المهين من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين " .
" من فرعون " بدل من العذاب المهين كأنه في نفسه كان عذابا مهينا لإفراطه في تعذيبهم وإهانتهم . ويجوز أن يكون المعنى : من العذاب المهين واقعا من جهة فرعون . وقرئ : من عذاب المهين ووجهه أن يكون تقدير قوله : " من فرعون " : من عذاب فرعون حتى يكون المهين هو فرعون . وفي قراءة ابن عباس : من فرعون لما رصف عذاب فرعون بالشدة والفظاعة قال : من فرعون على معنى : هل تعرفونه من هو في عتوه وشيطنته ثم عرف حاله في ذلك بقوله : " إنه كان عاليا من المسرفين " أي كبيرا رفيع الطبقة ومن بينهم فائقا لهم بليغا في إسرافه . أو عاليا متكبرا كقوله تعالى : " إن فرعون علا في الأرض " القصص : 4 ، . و " من المسرفين " خبر ثان كأنه قيل : إنه كان متكبرا مسرفا .
" ولقد اخترناهم على علم على العالمين وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين " .
الضمير في " اخترناهم " لبني إسرائيل . و " على علم " في موضع الحال أي : عالمين بمكان الخيرة وبأنهم أحقاء بأن يختاروا . ويجوز أن يكون المعنى : مع علم منا بأنهم يزيغون ويفرط منهم الفرطات في بعض الأحوال " على العالمين " على عالمي زمانهم . وقيل : على الناس جميعا لكثرة الأنبياء منهم " من الآيات " من نحو فلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى وغير ذلك من الآيات العظام التي لم يظهر الله في غيرهم مثلها " بلاء مبين " نعمة ظاهرة لأن الله تعالى يبلو بالنعمة كما يبلو بالمصيبة . أو اختبار ظاهر لننظر كيف تعملون كقوله تعالى : " وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم " البقرة : 49 .
" إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين "