" أنى لهم الذكرى " كيف يذكرون ويتعظون ويفون بما وعدوه من الإيمان عند كشف العذاب " وقد جاءهم " ما هو أعظم وأدخل في وجوب الادكار من كشف الدخان وهو ما ظهر على رسول الله A من الآيات البينات من الكتاب المعجز وغيره من المعجزات فلم يذكروا وتولوا عنه وبهتوه بأن عداسا غلاما أعجميا لبعض ثقيف هو الذي علمه ونسبوه إلى الجنون ثم قال : " إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون " أي ريثما نكشف عنكم العذاب تعودون إلى شرككم لا تلبثون غب الكشف على ما أنتم عليه من التضرع والابتهال . فإن قلت : كيف يستقيم على قول من جعل الدخان قبل يوم القيامة قوله : " إنا كاشفوا العذاب قليلا " قلت : إذا أتت السماء بالدخان تضور المعذبون به من الكفار والمنافقين . وغوثوا وقالوا ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون منيبون فيكشفه الله عنهم بعد أربعين يوما فريثما يكشفه عنهم يرتدون لا يتمهلون ثم قال : " يوم نبطش البطشة الكبرى " يريد يوم القيامة كقوله تعالى : " فإذا جاءت الطامة الكبرى " النازعات : 34 ، " إنا منتقمون " أي ننتقم منهم في ذلك اليوم . فإن قلت : بم انتصب يوم نبطش ؟ قلت : بما دل عليه " إنا منتقمون " وهو ننتقم . ولا يصح أن ينتصب بمنتقمون لأن إن تحجب عن ذلك . وقرئ نبطش بضم الطاء . وقرأ الحسن نبطش بضم النون كإنه يحمل الملائكة على أن يبطشوا بهم البطشة الكبرى . أو يجعل البطشة الكبرى باطشة بهم . وقيل : " البطشة الكبرى " يوم بدر .
" ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم أن أدوا إلى عباد الله إني لكم رسول أمين وأن لا تعلوا على الله إني آتيكم بسلطان مبين وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون " .
وقرئ ولقد فتنا بالتشديد للتأكيد . أو لوقوعه على القوم . ومعنى الفتنة : أنه أمهلهم ووسع عليهم في الرزق فكان ذلك سببا في ارتكابهم المعاصي واقترافهم الآثام . أو ابتلاهم بإرسال موسى إليهم ليؤمنوا فاختاروا الكفر على الإيمان أو سلبهم ملكهم وأغرقهم " كريم " على الله وعلى عباده المؤمنين . أو كريم في نفسه لأن الله لم يبعث نبيا إلا من سراة قومه وكرامهم " أن أدوا إلى " هي أن المفسرة لأن مجيء الرسول من بعث إليهم متضمن لمعنى القول لأنه لا يجيئهم إلا مبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله . أو المخففة من الثقيلة ومعناه : وجاءهم بأن الشأن والحديث أدوا إلي " عباد الله " مفعول به وهم بنو إسرائيل يقول : أدوهم إلي وأرسلوهم معي كقوله تعالى : " أرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم " طه : 47 ، ويجوز أن يكون نداء لهم على : أدوا إلي يا عباد الله ما هو واجب لي عليكم من الإيمان لي وقبول دعوتي واتباع سبيلي وعلل ذلك بأنه " رسول أمين " غير ظنين قد ائتمنه الله على وحيه ورسالته " وأن لا تعلموا " أن هذه مثل الأولى في وجهيها أي : لا تستكبروا " على الله " بالاستهانة برسوله ووحيه . أو لا تستكبروا على نبي الله " بسلطان مبين " بحجة واضحة " أن ترجمون " أن تقتلون . وقرئ عت بالإدغام . ومعناه أنه عائذ بربه متكل على أنه يعصمه منهم ومن كيدهم فهو غير مبال بما كانوا يتوعدونه به من الرجم والقتل " فاعزلون " يريد : إن لم تؤمنوا لي فلا موالاة بيني وبين من لا يؤمن فتنحوا عني واقطعوا أسباب الوصلة عني أي : فخلوني كفافا لا لي ولا علي ولا تتعرضوا لي بشركم وأذاكم فليس جزاء من دعاكم إلى ما فيه فلا حكم ذلك .
" فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون فأسر بعبادي ليلا إنكم متبعون واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون " .
" أن هؤلاء " بأن هؤلاء أي : دعا ربه بذلك . قيل : كان دعاؤه : اللهم عجل لهم ما يستحقونه بإجرامهم : وقيل هو قوله : " ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين " يونس : 85 ، وإنما ذكر الله تعالى السبب الذي استوجبوا به الهلاك وهو كونهم مجرمين . وقرئ إن هؤلاء بالكسر على إضمار القول أي : فدعا ربه فقال : إن هؤلاء " فأسر " قرئ بقطع الهمزة من أسرى ووصلهامن سرى . وفيه وجهان : إضمار القول بعد الفاء فقال : أسر بعبادي . وأن يكون جواب شرط محذوف كأنه قيل : قال إن كان الأمر كما تقول فأسر " بعبادي " يعني : فأسر ببني إسرائيل فقد دبر الله أن تتقدموا ويتبعكم فرعون وجنوده فينجي المتقدمين ويغرق التابعين . الرهو فيه وجهان أحدهما : أنه الساكن . قال الأعشى :