" أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون " .
" أم " أبرم مشركو مكة " أمرا " من كيدهم ومكرهم برسول الله A : " فإنا مبرمون " كيدنا كما أبرموا كيدهم كقوله تعالى : " أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم المكيدون " الطور : 42 ، وكانوا يتنادون فيتناجون في أمر رسول الله A . فإن قلت : ما المراد بالسر والنجوى ؟ قلت : السر ما حدث به الرجل نفسه أو غيره في مكان خال والنجوى : ما تكلموا به فيما بينهم " بلى " نسمعهما ونطلع عليهما " ورسلنا " يريد الحفظة عندهم " يكتبون " ذلك . وعن يحيى بن معاذ الرازي : من ستر من الناس ذنوبه وأبداها للذي لا يخفى عليه شيء في السموات ولا في الأرض فقد جعله أهون الناظرين إليه وهو من علامات النفاق .
" قل إن كان للرحمن ولدا فأنا أول العابدين سبحان رب السموات والأرض رب العرش عما يصفون " .
" قل إن كان للرحمن ولدا " وصح ذلك وثبت ببرهان صحيح توردونه وحجة واضحة تدلون بها " فأنا أول " من يعظم ذلك الولد وأسبقكم إلى طاعته والانقياد له كما يعظم الرجل ولد الملك لتعظيم أبيه وهذا كلام وارد على سبيل الفرض والتمثيل لغرض وهو المبالغة في نفي الولد والإطناب فيه وأن لا يترك الناطق به شبهة إلا مضمحلة مع الترجمة عن نفسه بثبات القدم في باب التوحيد وذلك أنه علق العبادة بكينونة الولد وهي محال في نفسها فكان المعلق بها محالا مثلها فهو في صورة إثبات الكينونة والعبادة وفي معنى نفيهما على أبلغ الوجوه وأقواها . ونظيره أن يقول العدلى للمجبر إن كان الله تعالى خالقا للكفر في القلوب ومعذبا عليه عذابا سرمدا فأنا أول من يقول : هو شيطان وليس بإله فمعنى هذا الكلام وما وضع له أسلوبه ونظمه نفي أن يكون الله تعالى خالقا للكفر وتنزيهه عن ذلك وتقديسه ولكن على طريق المبالغة فيه من الوجه الذي ذكرنا مع الدلالة على سماجة المذهب وضلالة الذاهب إليه والشهادة لقاطعة بإحالته والإفصاح عن نفسه بالبراءة منه وغاية النفار والاشمئزاز من ارتكابه .
ونحو هذه الطريقة قول سعيد بن جبير C للحجاج حين قال له : أما والله لأبدلنك بالدنيا نارا تلظى : لو عرفت أن ذلك إليك ما عبدت إلها غيرك . وقد تمحل الناس بما أخرجوه به من هذا الأسلوب الشريف المليء بالنكت والفوائد المستقل بإثبات التوحيد على أبلغ وجوهه فقيل : إن كان للرحمن ولد في زعمكم فأنا أول العابدين الموحدين لله المكذبين قولكم بإضافة الولد إليه . وقيل : إن كان للرحمن ولد في زعمكم فأنا أول الآنفين من أن يكون له ولد من عبد يعبد : إذا اشتد أنفه فهو عبد وعابد . وقرأ بعضهم : العبدين وقيل : هي إن النافية أي : ما كان للرحمن ولد فأنا أول من قال بذلك وعبد ووحد . وروي : أن النضر بن عبد الدار بن قصي قال : إن الملائكة بنات الله فنزلت فقال النضر : ألا ترون أنه قد صدقني . فقال له الوليد بم المغيرة : ما صدقك ولكن قال : ما كان للرحمن ولد فأنا أول الموحدين من أهل مكة أن لا ولد له . وقرئ ولد بضم الواو . ثم نزه ذاته موصوفة بربوبيتة السموات والأرض والعرش عن اتخاذ الولد ليدل على أنه من صفة الأجسام . ولو كان جسما لم يقدر على خلق هذا العالم وتدبير أمره .
" فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون " .
" فذرهم يخوضوا " في باطلهم " ويلعبوا " في دنياهم " حتى يلاقوا يومهم " وهذا دليل على أن ما يقولونه من باب الجهل والخوض واللعب وإعلام لرسول الله A أنهم من المطبوع على قلوبهم الذين لا يرجعون البتة وإن ركب في دعوتهم كل صعب وذلول وخذلان لهم وتخلية بينهم وبين الشيطان كقوله تبارك وتعالى : " اعملوا ما شئتم " فصلت : 40 ، وإيعاد بالشقاء في العاقبة .
" وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم وتبارك الذي له ملك السموات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون "