" أن تأتيهم " بدل من الساعة . والمعنى : هل ينظرون إلا إتيان الساعة . فإن قلت : أما أدى قوله : " بغتة " مؤدى قوله : " وهم لا يشعرون " فيستغني عنه ؟ قلت : لا لأن معنى قوله تعالى : " وهم لا يشعرون " : وهم غافلون لاشتغالهم بأمور دنياهم كقوله تعالى : " تأخذهم وهم يخصمون " ياسين : 49 ، ويجوز أن تأتيهم بغتة وهم فطنون " يومئذ " منصوب بعدو أي : تنقطع في ذلك اليوم كل خلة بين المتخالين في غير ذات الله وتنقلب عداوة ومقتا إلا خلة المتصادقين في الله فإنها الخلة الباقية المزدادة قوة إذا رأوا ثواب التحاب في الله تعالى والتباغض في الله . وقيل : " إلا المتقين " إلا المجتنبين أخلاء السوء . وقيل : نزلت في أبي بن خلف وعقبة بن أبي معيط " يا عباد " حكاية لما ينادى به المتقون المتحابون في الله يومئذ و " الذين أمنوا " منصوب المحل صفة لعبادي لأنه منادى مضاف أي : الذين صدقوا " بآياتنا وكانوا مسلمين " مخلصين وجوههم لنا جاعلين أنفسهم سالمة لطاعتنا . وقيل : إذا بعث الله الناس فزع كل أحد فينادي مناد يا عبادي فيرجوها الناس كلهم ثم يتبعها الذين آمنوا فييأس الناس منها غير المسلمين . وقرئ يا عباد " تحبرون " تسرون سرورا يظهر حباره أي : أثره على وجوهكم كقوله تعالى : " تعرف في وجوههم نضرة النعيم " المطففين : 24 ، وقال الزجاج : تكرمون إكراما يبالغ فيه . والحبرة : المبالغة فيما وصف بجميل . والكوب : الكوز لا عروة له " وفيها " الضمير للجنة . وقرئ تشتهي وتشتهيه . وهذا حصر لأنواع النعم لأنها إما مشتهاة في القلوب وإما مستلذة في العيون . " وتلك " إشارة إلى الجنة المذكورة . وهي مبتدأ و " الجنة " خبر . و " التي أورثتموها " صفة الجنة . أو الجنة صفة للمبتدأ الذي هو اسم الإشارة . والتي أورثتموها : خبر المبتدأ . أو التي أورثتموها : صفة و " بما كنتم تعملون " الخبر والباء تتعلق بمحذوف كما في الظروف التي تقع أخبار . وفي الوجه الأول تتعلق بأورثتموها . وشبهت في بقائها على أهلها بالميراث الباقي على الورثة . وقرئ ورثتموها " منها تأكلون " من للتبعيض أي : لا تأكلون إلا بعضها وأعقابها باقية في شجرها فهي مزينة بالثمار أبدا موقرة بها لا ترى شجرة عريانة من ثمرها كما في الدنيا . وعن النبي A : " لا ينزع رجل في الجنة من ثمرها إلا نبت مكانها مثلاها " .
" إن المجرمون في عذاب جهنم خالدون لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ونادوا يا ملك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون لقد جئناكم بالحق ولكن أكثرهم للحق لكارهون " .
" لا يفتر عنهم " لا يخفف ولا ينقص من قولهم : فترت عنه الحمى إذا سكنت عنه قليلا ونقص حرها . والمبلس : اليائس الساكت سكوت يأس من فرج . وعن الضحاك : يجعل المجرم في تابوت من نار ثم يردم عليه فيبقى فيه خالدا : لا يرى ولا يرى " هم " فصل عند البصريين عماد عند الكوفيين . وقرئ وهم فيها أي : في النار وقرأ علي وابن مسعود Bهما : يا مال بحذف الكاف للترخيم كقول القائل : .
والحق يا مال غير ما تصف .
وقيل لابن عباس : إن ابن مسعود قرأ ونادوا يا مال فقال : ما أشغل أهل النار عن الترخيم وعن بعضهم : حسن الترخيم أنهم يقتطعون بعض الاسم لضعفهم وعظم ما هم فيه . وقرأ أبو السرار الغنوي يا مال بالرفع كما يقال : يا حار " ليقض ربك علينا " من قضى عليه إذا أماته " فوكزه موسى فقضى عليه " القصص : 15 ، والمعنى : سل ربك أن يقضي علينا . فإن قلت : كيف قال : " ونادوا يا ملك " بعد ما وصفهم بالإبلاس ؟ قلت تلك أزمنة متطاولة وأحقاب ممتدة فتختلف بهم الأحوال فيسكتون أوقاتا لغلبة اليأس عليهم وعلمهم أنه لا فرج لهم ويغوثون أوقاتا لشدة ما بهم " ماكثون " لابثون . وفي استهزاء . والمراد : خالدون . عن ابن عباس Bهما : إنما يجيبهم بعد ألف سنة وعن النبي A : " يلقى على أهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب فيقولون . ادعوا مالكا فيدعون يا مالك ليقض علينا ربك " . " لقد جئناك بالحق " كلام الله D : بدليل قراءة من قرأ : لقد جئتكم ويجب أن يكون في قال ضمير الله D . لما سألوا مالكا أن يسأل الله تعالى القضاء عليهم : أجابهم الله بذلك " كارهون " لا تقبلونه وتنفرون منه وتشمئزون منه لأن مع الباطل الدعة ومع الحق التعب