" وما كان لبشر " وما صح لأحد من البشر " أن يكلمه الله إلا " على ثلاثة أوجه : إما على طريق الوحي وهو الإلهام والقذف في القلب أو المنام كما أوحى إلى أم موسى وإلى إبراهيم عليه السلام في ذبح ولده . وعن مجاهد : أوحى الله الزبور إلى داود عليه السلام في صدره . قال عبيدة بن الأبرص : .
وأوحى إلي الله أن قد تأمروا ... بإبل أبي أوفى فقمت على رجل .
أي : ألهمني وقذف في قلبي . وإما على أن يسمعه كلامه الذي يخلقه في بعض الأجرام من غير أن يبصر السامع من يكلمه لأنه في ذاته غير مرئي . وقوله : " من وراء حجاب " مثل أي كما يكلم الملك المحتجب بعض خواصه وهو من وراء الحجاب فيسمع صوته ولا يرى شخصه وذلك كما كلم موسى ويكلم الملائكة . وإما على أن يرسل إليه رسولا من الملائكة فيوحي الملك إليه كما كلم الأنبياء غير موسى . وقيل : وحيا كما أوحى إلى الرسل بواسطة الملائكة " أو يرسل رسولا " أي نبينا كما كلم أمم الأنبياء على ألسنتهم . ووحيا وأن يرسل : مصدران واقعان موقع الحال لأن أن يرسل في معنى إرسالا . ومن وراء حجاب : ظرف واقع موقع الحال أيضا كقوله تعالى : " وعلى جنوبهم " آل عمران : 191 ، والتقدير : وما صح أن يكلم أحدا إلا موحيا أو مسمعا من وراء حجاب أو مرسلا . ويجوز أن يكون : وحيا موضوعا موضع : كلاما لأن الوحي كلام خفي في سرعة كما تقول : لا أكلمه إلا جهرا وإلا خفاتا لأن الجهر والخفات ضربان من الكلام وكذلك : رسالآ جعل الكلام على لسان الرسول بغير واسطة تقول : قلت لفلان كذا وإنما قاله وكيلك أو رسولك . وقوله : " أو من وراء حجاب " معناه : أو إسماعا من وراء حجاب ومن جعل وحيا في معنى : أن يوحي وعطف يرسل عليه على معنى " وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا " أي : إلا بأن يوحي . أو بأن يرسل فعليه أن يقدر قوله : " أو من وراء الحجاب " تقديرا يطابقهماعليه نحو : أو أن يسمع من وراء حجاب . وقرئ " أو يرسل رسولا فيوحي " بالرفع على : أو هو رسل . أو بمعنى مرسلا عطفا على وحيا في معنى موحيا . وروى أن اليهود قالت للنبي A : ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبيا كما كلمه موسى ونظر إليه فإنا لن نؤمن لك حتى تفعل ذلك فقال : لم ينظر موسى إلى الله فنزلت . وعن عائشة Bها : من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية ثم قالت : أو لم تسمعوا ربكم يقول : فتلت هذه الآية : " إنه علي " عن صفات المخلوقين " حكيم " يجري أفعاله على موجب الحكمة فيكلم تارة بواسطة وأخرى بغير واسطة : إما إلهاما وإما خطابا .
" وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صرط مستقيم صرط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور " .
" روحا من أمرنا " يريد : ما أوحي إليه لأن الخلق يحيون به في دينهم كما يحيى الجسد بالروح . فإن قلت : قد علم أن رسول الله A : ما كان يدري ما القرآن قبل نزوله عليه فما معنى قوله : " ولا الإيمان " والأنبياء لا يجوز عليهم إذا عقلوا وتمكنوا من النظر والاستدلال أن يخطئهم الإيمان بالله وتوحيده ويجب أن يرنوا معصومين من ارتكاب الكبائر ومن الصغائر التي فيها تنفير قبل المبعث وبعده مكيف لا يعصمون من الكفر ؟ قلت : الإيمان اسم يتناول أشياء : بعضها الطريق إليه العقل وبعضها الطريق إليه السمع فعنى به ما الطريق إليه السمع عون العقل وذاك ما كان له فيه علم حتى كسبه بالوحي . ألا ترى أنه قد فسر الإيمان في قوله تعالى : " وما كان الله ليضيع إيمانكم " البقرة : 143 ، بالصلاة لأنها بعض ما يتناوله الإيمان " من نشاء من عبادنا " من له لطف ومن لا لطف له فلا هداية تجدي عليه " صرط الله " بدل . وقرئ لتهدى أي : يهديك الله . وقرئ لتدعو .
عن رسول الله A : " من قرأ حم عسق كان ممن تصلي عليه الملائكة ويستغفرون له ويسترحمون له " .
سورة الزخرف .
مكية وقال مقاتل : إلا قوله " واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا " .
وهي تسع وثمانون آية .
بسم اله الرحمن الرحيم .
" حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي مكين "