" أن زينب أسمعت عائشة بحضرته وكان ينهاها فلا تنتهي فقال لعائشة " دونك فانتصري " .
" ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل " .
" ومن يضلل الله " ومن يخذله الله " فما له من ولي من بعده " فليس له من ناصر يتولاه من بعد خذلانه .
" وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إن الظالمين في عذاب مقيم وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فما له من سبيل " .
" خاشعين " متضائلين متقاصرين مما يلحقهم " من الذل " وقد يعلق من الذل بينظرون ويوقف على خاشعين " ينظرون من طرف خفي " أي يبتدئ نظرهم من تحريك لأجفانهم ضعيف خفي بمسارقة كما ترى المصبور ينظر إلى السيف . وهكذا نظر الناظر إلى المكاره : لا يقدر أن يفتح أجفانه عليها ويملأ عينيه منها كما يفعل في نظره إلى المحاب . وقيل : يحشرون عميا فلا ينظرون إلا بقلوبهم . وذلك نظر من طرف خفي . وفيه تعسف " يوم القيامة " إما أن يتعلق بخسروا ويكون قول المؤمنين واقعا في الدنيا وإما أن يتعلق بقال أي : يقولون يوم القيامة إذا رأوهم على تلك الصفة .
" استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ما لكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير " .
" من الله " من صلة لا مرد أي : لا يرده الله بعدما حكم به . أو من صلة يأتي أي : من قبل أن يأتي من الله يوم لا يقدر أحد على رده . والنكير : الإنكار أي : لكم من مخلص من العذاب ولا تقدرون أن تنكروا شيئا مما اقترفتموه ودون في صحائف أعمالكم .
" فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ وإنا إذا أذقنا الإنسان رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور " .
أراد بالإنسان الجمع لا الواحد . لقوله : وإن تصبهم سيئة ولم يرد إلا المجرمين لأن إصابة السيئة بما قدمت أيديهم إنما تستقيم فيهم . والرحمة : النعمة من الصحة والغني والأمن . والسيئة : البلاء من المرض والفقر والمخاوف . والكفور : البليغ الكفران ولم يقل : فإنه كفورة ليسجل على أن هذا الجنس موسوم بكفران النعم كما قال : " إن الإنسان لظلوم كفار " إبراهيم : 134 ، " إن الإنسان لربه لكنود " العاديات : 6 ، والمعنى أنه يذكر البلاء وينسى النعم ويغمطها .
" لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء ويهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير " .
لما ذكر إذاقة الإنسان الرحمة وإصابته بضدها : أتبع ذلك أن له الملك وأنه يقسم النعمة والبلاء كيف أراد ويهب لعباده من الأولاد ما تقتضيه مشيئته فيخص بعضا بالإناث وبعضا بالذكور وبعضا بالصنفين جميعا ويعقم آخرين فلا يهب لهم ولدا قط . فإن قلت : لم قدم الإناث أولا على الذكور مع تقدمهم عليهن ثم رجع فقدمهم ولم عرف الذكور بعد ما نكر الإناث . قلت : لأنه ذكر البلاء في آخر الآية الأولى وكفران الإنسان بنسيانه الرحمة السابقة عنده ثم عقبه بذكر ملكه ومشيئته وذكر قسمة الأولاد فقدم الإناث لأن سياق الكلام أنه فاعل ما يشاؤه لا ما يشاؤوه الإنسان فكان ذكر الإناث اللاتي من جملة ما لا يشاؤه الإنسان أهم والأهم واجب التقديم وليلي الجنس الذي كانت العرب تعده بلاء ذكر البلاء وأخر الذكور فلما أخرهم لذلك تدارك تأخيرهم وهم أحقاء بالتقديم بتعريفهم لأن التعريف تنويه وتشهير كأنه قال : ويهب لمن يشاء الفرسان الأعلام المذكورين الذين لا يخفون عليكم ثم أعطى بعد ذلك كلا الجنسين حقه من التقديم والتأخير وعرف أن تقديمهن لم يكن لتقدمهن ولكن لمقتض آخر فقال : " ذكرانا وإناثا " كما قال : " إنا خلقناكم من ذكر وأنثى " الحجرات : 13 ، " فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى " القيامة : 39 ، وقيل : نزلت في الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه حيث وهب لشعيب ولوط إناثا ولإبراهيم ذكورا ولمحمد ذكورا وإناثا وجعل يحيى وعيسى عقيمين " إنه عليم " بمصالح العباد " قدير " على تكوين ما يصلحهم .
" وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه عليم حكيم "