" ما " الأولى ضمنت معنى الشرط فجاءت الفاء في جوابها بخلاف الثانية . عن علي رضي الله عنه : اجتمع لأبي بكر رضي الله عنه مال فتصدق به كله في سبيل الله والخير فلامه المسلمون وخطأه الكافرون فنزلت .
" والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون " .
" والذين يجتنبون " عطف على الذين آمنوا وكذلك ما بعلى . ومعنى " كبائر الإثم " الكبائر من هذا الجنس . وقرئ كبير الإثم وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه : كبير الإثم هو الشرك " هم يغفرون " أي هم الأخصاء بالغفران في حال الغضب لا يغول الغضب أحلامهم كما يغول حلوم الناس والمجيء بهم وإيقاعه مبتدأ وإسناد " يغفرون " إليه لهذه الفائدة ومثله : " هم ينتصرون " الشورى : 39 .
" والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون " .
" والذين استجابوا لربهم " نزلت في الأنصار : دعاهم الله D للإيمان به وطاعته فاستجابوا له بأن آمنوا به وأطاعوه " وأقاموا الصلاة " وأتموا الصلوات الخمس . وكانوا قبل الإسلام وقبل مقدم رسول الله A المدينة : إذا كان بهم أمر اجتمعوا وتشاوروا فأثنى الله علي عليهم أي : لا ينفردون برأي حتى يجتمعوا عليه . وعن الحسن : ما تشاور قوم إلا هدوا لأرشد أمرهم والشورى : مصدر كالفتيا بمعنى التشاور . ومعنى قوله : " وأمرهم شورى بينهم " أي ذو شورى وكذلك قولهم : ترك رسول الله A وعمر بن الخطاب Bه الخلافة شورى .
" والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون " .
هو أن يقتصروا في الانتصار على ما جعله الله لهم ولا يعتدوا . وعن النخعي أنه كان إذا قرأها قال : كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فيجترئ عليهم الفساق . فإن قلت : أهم محمودون على الانتصار . قلت : نعم لأن من أخذ حقه غير متعد حد الله وما أمر به فلم يسرف في القتل إن كان ولي دم أورد على سفيه محاماة على عرضه وردعا له فهو مطيع . وكل مطيع محمود .
" وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين " .
كلتا الفعلتين الأولى وجزاؤها سيئة لأنها تسوء من تنزل به . قال الله تعالى : " وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك " النساء : 78 ، : يريد ما يسوءهم من المصائب والبلايا . والمعنى : أنه يجب إذا قوبلت الإساءة أن تقابل بمثلها من غير زيادة فإذا قال أخزاك الله قال : أخزاك الله " فمن عفا وأصلح " بينه وبين خصمه بالعفو والإغضاء . كما قال تعالى : " فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم " فصلت : 34 ، " فأجره على الله " عدة مبهمة لا يقاس أمرها في العظم . وقوله : " إنه لا يحب الظالمين " دلالة على أن الانتصار لا يكاد يؤمن فيه تجاوز السيئة والاعتداء خصوصا في حال الحرد والتهاب الحمية فربما كان المجازي من الظالمين وهو لا يشعر . وعن النبي A : " إذا كان يوم القيامة نادى مناد : من كان له على الله أجر فليقم . قال : فيقوم خلق فيقال لهم : ما أجركم على الله . فيقولون : نحن الذين عفونا عمن ظلمنا فيقال لهم : ادخلوا الجنة بإذن الله " .
" ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم " .
" بعد ظلمه " من إضافة المصدر إلى المفعول وتفسره قراءة من قرأ بعد ما ظلم " فأولئك " إشارة إلى معنى من دون لفظه " ما عليهم من سبيل " للمعاقب ولا للعاتب والعائب " إنما السبيل على الذين يظلمون الناس " يبتدئونهم بالظلم " ويبغون في الأرض " يتكبرون فيها ويعلون ويفسدون .
" ولمن صبر وغفر إن كلك لمن عزم الأمور " .
" ولمن صبر " على الظلم والأذى " وغفر " ولم ينتصر وفوض أمره إلى الله " إن ذلك " منه " لمن عزم الأمور " وحذف الراجع لأنه مفهوم كما حذف من قولهم : السمن منوان بدرهم . ويحكى أن رجلا سب رجلا في مجلس الحسن C فكان المسبوب يكظم ويعرق فيمسح العرق ثم قام فتلا هذه الآية فقال الحسن : عقلها والله وفهمها إذ ضيعها الجاهلون . وقالوا : العفو مندوب إليه ثم الأمر قد ينعكس في بعض الأحوال فيرجع ترك العفو مندوبا إليه وذلك إما احتيج إلى كف زيادة البغي وقطع مادة الأذى . وعن النبي A ما يدل عليه وهو :