في مصاحف أهل العراق " فبما كسبت " بإثبات الفاء على تضمين ما معني الشرط . وفي مصاحف أهل المدينة " بما كسبت " بغير فاء على أن ما مبتدأ وبما كسبت خبرها من غير تضمين معنى الشرط . والآية مخصوصة بالمجرمين ولا يمتنع أن يستوفي الله بعض عقاب المجرم ويعفو عن بعض . فأما من لا جرم له كالأنبياء والأطفال والمجانين فهؤلاء إذا أصابهم شيء من ألم أو غيره فللعوض الموفى والمصلحة . وعن النبي A : " ما من اختلاج عرق ولا خدش عود ولا نكبة حجر إلا بذنب " ولما يعفو الله عنه أكثر " وعن بعضهم : من لم يعلم أن ما وصل إليه من الفتن والمصائب باكتسابه . وأن ما عفا عنه مولاه أكثر : كان قليل النظر في إحسان ربه إليه . وعن آخر : العبد ملازم للجنايات في كل أوان وجناياته في طاعاته أكثر من جناياته في معاصيه لأن جناية المعصية من وجه وجناية الطاعة من وجوه والله يطهر عبده من جناياته بأنواع من المصائب ليخفف عنه أثقاله في القيامة ولولا عفوه ورحمته لهلك في أول خطوة وعن علي رضي الله عنه وقد رفعه : " من عفي عنه في الدنيا عفي عنه في الآخرة ومن عوقب في الدنيا لم تثن عليه العقوبة في الآخرة " وعنه Bه : هذه أرجى آية للمؤمنين في القرآن " بمعجزين " بفائتين ما قضي عليكم من المصائب " من ولي " من متول بالرحمة .
" ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام وإن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير " .
" الجوار " السفن . وقرئ الجوار " كالأعلام " كالجبال . قالت الخنساء : .
كأنه علم في رأسه نار .
وقرئ الرياح فيظللن بفتح اللام وكسرها من ظل يظل ويظل نحو : ضل يضل ويضل " رواكد " ثوابت لا تجري " على ظهره " على ظهر البحر " لكل صبار " على بلاء الله " شكور " لنعمائه وهما صفتا المؤمن المخلص فجعلهما كناية عنه وهو الذي وكل همته بالنظر في آيات الله فهو يستملي منها العبر " يوبقهن " يهلكهن . والمعنى : أنه إن يشأ يبتلي المسافرين في البحر بإحدى بليتين : إما أن يسكن الريح فيركد الجواري على متن البحر ويمنعهن من الجري وإما أن يرسل الريح عاصفة فيهلكهن إغراقا بسبب ما كسبوا من الذنوب " ويعف عن كثير " منها فإن قلت : علام عطف يوبقهن ؟ قلت : على يسكن لأن المعنى : إن يشأ يسكن الريح فيركدن . أو يعصفها فيغرقن بعصفها . فإن قلت : فما معنى إدخال العفو في حكم الإيباق حيث جزم جزمه . قلت : معناه : أو إن يشأ يهلك ناسا وينج ناسا على طريق العفو عنهم . فإن قلت : فمن قرأ ويعفو قلت : قد استأنف الكلام .
" ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص " .
فإن قلت : فما وجوه القراءات الثلاث في " ويعلم " . قلت : أما الجزم فعلى ظاهر العطف وأما الرفع فعلى الاستئناف . وأما النصب فللعطف على تعليل محذوف تقديره : لينتقم منهم ويعلم الذين يجادلون ونحوه في العطف على التعليل المحفوف غير عزيز في القرآن منه قوله تعالى : " ولنجعله آية للناس " مريم : 21 ، وقوله تعالى : " وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت " الجاثية : 22 ، وأما قول الزجاج : النصب على إضمار أن لأن قبلها جزاء تقول : ما تصنع أصنع مثله وأكرمك وإن شئت وأكرمك على تأويل : وأنا أكرمك . وإن شئت وأكرمك جزما ففيه نظر لما أورود سيبويه في كتابه . قال : واعلم أن النصب بالفاء والواو في قوله : إن تأتني آتك وأعطيك : ضعيف وهو نحو من قوله : .
وألحق بالحجاز فأستريحا .
فهذا يجوز وليس بحد الكلام فيه ولا وجهه إلا أنه في الجزاء صار أقوى قليلا لأنه ليس بواجب أنه يفعل إلا أن يكون من الأول فعل فلما ضارع الذي لا يوجبه كالاستفهام ونحوه : أجازوا فيه هذا على ضعفه . ولا يجوز أن تحمل القراءة المستفيضة على وجه ضعيف ليس بحد الكلام ولا وجهه ولو كانت من هذا الباب لما أخلى سيبويه منها كتابه وقد ذكر نظائرها من الآيات المشكلة . فإن قلت : فكيف يصح معنى على جزم " ويعلم " ؟ قلت : كأنه قال : أو إن يشأ يجمع بين ثلاثة أمور : هلاك قوم ونجاة قوم وتحذير آخرين " من محيص " من محيد عن عقابه .
" فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهميتوكلون "