" الذين آمنوا " أي يستجيب لهم فحذف اللام كما حذف في قوله تعالى : " وإذا كالوهم " المطففين : 3 ، أي يثيبهم على طاعتهم ويزيدهم على الثواب تفضلا أو إذا دعوه استجاب دعاءهم وأعطاهم ما طلبوا وزادهم على مطلوبهم . وقيل : الاستجابة : فعلهم أي يستجيبون له بالطاعة إذا دعاهم إليها " ويزيدهم " هو " من فضله " على ثوابهم . وعن سعيد بن جبير : هذا من فعلهم : يجيبونه إذا دعاهم . وعن إبراهيم بن أدهم أنه قيل له : ما بالنا ندعو فلا نجاب ؟ قال : لأنه دعاكم فلم تجيبوه ثم قرأ : " والله يدعو إلى دار السلام " يونس : 25 ، ويستجيب الذين آمنوا .
" ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير " .
" لبغوا " من البغي وهو الظلم أي : لبغى هذا على ذاك وذاك على هذا لأن الغنى مبطرة مأشرة وكفى بحال قارون عبرة . ومنه قوله E : " أخوف ما أخاف على أمتي زهرة الدنيا وكثرتها " ولبعض العرب : .
وقد جعل الوسمي ينبت بيننا ... وبين بني رومان نبعا وشوحطا .
يعني : أنهم أحيوا فحدثوا أنفسهم بالبغي والتفانن . أو من البغي وهو البذخ والكبر أي : لتكبروا في الأرض وفعلوا ما يتبع الكبر من العلو فيها والفساد . وقيل : نزلت في قوم من أهل الصفة تمنوا سعة الرزق والغنى . قال خباب بن الأرت : فينا نزلت وذلك أنا نظرنا إلى أموال بني قريظة والنضير وبني قينقاع فتمنيناها " بقدر " بتقدير . يقال قدره قدرا وقدرا . " خبير بصير " يعرف ما يؤول إليه أحوالهم فيقدر لهم ما هو أصلح لهم وأقرب إلى جمع شملهم فيفقر ويغني ويمنع ويعطي ويقبض ويبسط كما توجبه الحكمة الربانية . ولو أغناهم جميعا لبغوا ولو أفقرهم لهلكوا . فإن قلت : قد نرى الناس يبغي بعضهم على بعض ومنهم مبسوط لهم ومنهم مقبوض عنهم فإن كان المبسوط لهم يبغون فلم بسط لهم : وإن كان المقبوض عنهم يبغون فقد يكون البغي بدون البسط فلم شرطه ؟ قلت : لا شبهة في أن البغي مع الفقر أقل ومع البسط أكثر وأغلب وكلاهما سبب ظاهر للإقدام على البغي والإحجام عنه فلو عم البسط لغلب البغي حتى ينقلب الأمر إلى عكس ما عليه الآن .
" وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو العلي الحميد " .
قرئ : قنطوا بفتح النون وكسرها " وينشر رحمته " أي : بركات الغيث ومنافعه وما يحصل به من الخصب . وعن عمر Bه أنه قيل له : اشتد القحط وقنط الناس فقال : مطروا إذا أراد هذه الآية . ويجوز أن يريد رحمته في كل شيء كأنه قال : ينزل الرحمة التي هي الغيث وينشر غيرها من رحمته الواسعة " الولي " الذي يتولى عباده بإحسانه " الحميد " المحمود على ذلك يحمده أهل طاعته .
" ومن آياته خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إن شاء قدير " .
" وما بث " يجوز أن يكون مرفوعا ومجرورا يحمل على المضاف إليه أو المضاف . فإن قلت : لم جاز " فيهما من دابة " والدواب في الأرض وحدها . قلت : يجوز أن ينسب الشيء إلى جميع المذكور وإن كان ملتبسا ببعضه كما يقال : بنو تميم فيهم شاعر مجيد أو شجاع بطل وإنما هو في فخذ من أفخاذهم أو فصيلة من فصائلهم وبنو فلان فعلوا كذا وإنما فعله نويس منهم . ومنه قوله تعالى : " يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان " الرحمن : 22 ، وإنما يخرج من الملح ويجوز أن يكون للملائكة عليهم السلام مشي مع الطيران . فيوصفوا بالدبيب كما يوصف به الأناسي . ولا يبعد أن يخلو في السموات حيوانا يمشي فيها مشي الأناسي على الأرض سبحان الذي خلق ما نعلم وما لا نعلم من أصناف الخلق . " إذا " يدخل على المضارع كما يدخل على الماضي قال الله تعالى : " والليل إذا يغشى " الليل : ومنه " إذا يشاء " وقال الشاعر : .
وإذا ما شاء أبعث منها ... آخر الليل ناشطا مذعورا .
" وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير وما أنتم بمعجزين في الأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير "