" الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا أن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد " .
" أنزل الكتاب " أي جنس الكتاب " والميزان " والعدل والتسوية . ومعنى إنزال العدل : أنه أنزله في كتبه المنزلة . وقيل : الذي يوزن به . بالحق : ملتبسا بالحق مقترنا بعيدا من الباطل أو بالغرضالصحيح كما اقتضته الحكمة . أو بالواجب من التحليل والتحريم وغير ذلك " الساعة " في تأويل البعث فلذلك قيل : " قريب " أو لعل مجيء الساعة قريب . فإن قلت : كيف يوفق ذكر اقتراب الساعة مع إنزال الكتاب والميزان قلت : لأن الساعة يوم الحساب ووضع الموازين للقسط فكأنه قيل : أمركم الله بالعدل والتسوية والعمل بالشرائع قبل أن يفاجئكم اليوم الذي يحاسبكم فيه ويزن أعمالكم ويوفي لمن أوفى ويطفف لمن طفف . المماراة : الملاجة لأن كل واحد منهما يمرى عند صاحبه " لفي ضلال بغيد " من الحق : لأن قيام الساعة غير مستبعد من قدرة الله ولدلالة الكتاب المعجز على أنها آتية لا ريب فيها ولشهادة العقول على أنه لا بد من دار الجزاء .
" الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز " .
" لطيف بعباده " بر بليغ البر بهم قد توصل بره إلى جميعهم وتوصل من كل واحد منهم إلى حيث لا يبلغه وهم أحد من كلياته وجزئياته . فإن قلت : فما معنى قوله : " يرزق من يشاء " بعد توصل بره إلى جميعهم . قلت : كلهم مبرورون لا يخلو أحد من بره إلا أن البر أصناف وله أوصاف . والقسمة بين العباد تتفاوت على حسب تفاوت قضايا الحكمة والتدبير فيطير لبعض العباد صنف من البر لم يطر مثله لآخر ويصيب هذا حظ له وصف ليس ذلك الوصف لحظ صاحبه فمن قسم له منهم ما لا يقسم للآخر . فقد رزقه وهو الذي أراد بقوله تعالى : " يرزق من يشاء " البقرة : 212 ، كما يرزق أحد الأخوين ولدا دون الآخر على أنه أصابه بنعمة أخرى لم يرزقها صاحب الولد " وهو القوي " الباهر القدرة الغالب على كل شيء " العزيز " المنيع الذي لا يغلب .
" من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب " .
سمى ما يعمله العامل مما يبغى به الفائدة والزكاء حرثا على المجاز . وفرق بين عملي العاملين : بأن من عمل للآخرة وفق في عمله وضوعفت حسناته ومن كان عمله للدنيا أعطى شيئا منها لا ما يريده ويبتغيه . وهو رزقه الذي قسم له وفرغ منه وماله نصيب قط في الآخرة ولم يذكر في معنى عامل الآخرة وله في الدنيا نصيب على أن رزقه المقسوم له واصل إليه لا محالة للاستهانة بذلك إلى جنب ما هو بصدده من زكاء عمله وفوزه في المآب .
" أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم " .
معنى الهمزة في " أم " التقرير والتقريع . وشركاؤهم : شياطينهم الذين زينوا لهم الشرك وإنكار البعث والعمل للدنيا لأنهم لا يعلمون غيرها وهو الدين الذي شرعت لهم الشياطين وتعالى الله عن الإذن فيه والأمر به وقيل شركاؤهم : أوثانهم . وإنما أضيفت إليهم لأنهم متخذوها شركاء لله فتارة تضاف إليهم لهذه الملابسة . وتارة إلى الله ولما كانت سببا لضلالتهم وافتتانهم : جعلت شارعة لدين الكفر كما قال إبراهيم صلوات الله عليه : " أضللن كثيرا من الناس " إبراهيم : 36 ، " ولولا كلمة الفصل " أي القضاء السابق بتأجيل الجزاء . أو : ولولا العدة بأن الفصل يكون يوم القيامة " لقضي بينهم " أي بين الكافرين والمؤمنين . أو بين المشركين وشركائهم . وقرأ مسلم بن جندب " وأن الظالمين " بالفتح عطفا له على كلمة الفصل يعني : ولولا كلمة الفصل وتقدير تعذيب الظالمين في الآخرة . لقضي بينهم في الدنيا .
" ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور "