" وما اختلفتم فيه من شيء " حكاية قول رسول الله A للمؤمنين . أي : ما خالفكم فيه الكفار من أهل الكتاب والمشركين فاختلفتم أنتم وهم فيه من أمر من أمور الدين فحكم ذلك المختلف فيه مفوض إلى الله تعالى وهو إثابة المحقين فيه من المؤمنين ومعاقبة المبطلين " ذلكم " الحاكم بينكم هو " ربي عليه توكلت " في رد كيد أعداء الدين وإليه " أرجع في كفاية شرهم . وقيل : وما اختلفتم فيه وتنازعتم من شيء من الخصومات فتحاكموا فيه إلى رسول الله A ولا تؤثروا على حكومته حكومة غيره كقوله تعالى : " فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول " النساء : 59 ، وقيل : وما اختلفتم فيه من تأويل آية واشتبه عليكم فارجعوا في بيانه إلى المحكم من كتاب الله والظاهر من سنة رسول الله A وقيل : وما وقع بينكم الخلاف فيه من العلوم التي لا تتصل بتكليفكم ولا طريق لكم إلى علمه فقولوا : الله أعلم كمعرفة الروح . قال الله تعالى : " ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي " الإسراء : 85 ، : فإن قلت : هل يجوز حمله على اختلاف المجتهدين في أحكام الشريعة . قلت : لا لأن الاجتهاد يجوز بحضرة رسول الله A .
" فاطر السموات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " .
" فاطر السموات " قرئ بالرفع والجر فالرفع على أنه أحد أخبار ذلكم . أو خبر مبتدأ محذوف والجر على : فحكمه إلى الله فاطر السموات و " ذلكم " إلى " أنيب " اعتراض بين الصفة والموصوف " جعل لكم " خلق لكم " من أنفسكم أزواجا " من جنسكم من الناس " أزواجا ومن الأنعام أزواجا " أي : وخلق من الأنعام أزواجا . ومعناه : وخلق للأنعام أيضا من أنفسها أزواجا " يذرؤكم " يكثركم يقال : ذرأ الله الخلق : بثهم وكثرهم . والذر والذرو والذرء : أخوات " فيه " في هذا التدبير وهو أن جعل للناس والأنعام أزواجا حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد والتناسل . والضمير في " يذرؤكم " يرجع إلى المخاطبين والأنعام مغلبا فيه المخاطبون العقلاء على الغيب مما لا يعقل وهي عن الأحكام ذات العلتين فإن قلت : ما معنى يذرؤكم في هذا التدبير ؟ وهلا قيل : يذرؤكم به قلت : جعل هذا التدبير كالمنبع والمعدن للبث والتكثير ألا ترك تقول : للحيوان في خلق الأزواج تكثير كما قال تعالى : " ولكم في القصاص حياة " البقرة : 179 ، قالوا : مثلك لا يبخل فنفوا البخل عن مثله وهم يريدون نفيه عن ذاته قصدوا المبالغة في ذلك فسلكوا به طريق الكناية لأنهم إذا نفوه عمن يسد مسده وعمن هو على أخص أوصافه فقد نفوه عنه . ونظيره قولك للعربي : العرب لا تخفر الذمم كان أبلغ من قولك : أنت لا تخفر . ومنه قولهم : قد أيفعت لداته وبلغت أترابه يريدون : إيفاعه وبلوغه . وفي حديث رقيقة بنت صيفي في سقيا عبد المطلب : ألا وفيهم الطيب الطاهر لداته والقصد إلى طهارته وطيبه فإذا علم أنه من باب الكناية لم يقع فرق بين قوله : ليس كالله شيء وبين قوله : " ليس كمثله شيء " إلا ما تعطيه الكناية من فائدتها وكأنهما عبارتان معتقبتان على معنى واحد : وهو نفي المماثلة عن ذاته ونحوه قوله D : " بل يداه مبسوطتان " المائدة : 64 ، فإن معناه : بل هو جواد من غير تصور يد ولا بسط لها : لأنها وقعت عبارة عن الجود لا يقصدون شيئا آخر حتى إنهم استعملوها فيمن لا يد له فكذلك ستعمل هذا فيمن له مثل ومن لا مثل له ولك أن تزعم أن كلمة التشبيه كررت للتأكيد كما كررها من قال : .
وصاليات ككما يؤثفين .
ومن قال : .
فأصبحت مثل كعصف مأكول .
" له مقاليد السموات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بكل شيء عليم " .
وقرئ ويقدر " إنه بكل شيء عليم " فإذا علم أن الغنى خير للعبد أغناه وإلا أفقره .
" شرع لكم من الدين ما وصي به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب "