" وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوء الذي كانوا يعملون ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون " .
قرئ : والغوا فيه بفتح الغين وضمها . ويقال : لغى يلغى ولغا يلغو : واللغو الساقط من الكلام الذي لا طائل تحته . قال : من اللغا ورفث التكلم . والمعنى : تسمعوا له إذا قرئ وتشاغلوا عند قراءته برفع الأصوات بالخرافات والهذيان والزمل وما أشبه ذلك حتى تخلطوا على القارئ وتشوشوا عليه وتغلبوه على قراءته . كانت قريش يوصي بذلك بعضهم بعضا " فلنذيقن الذين كفروا " يجوز أن يريد بالذين كفروا هؤلاء اللاغين والآمرين لهم باللغو خاصة وأن يذكر الذين كفروا عامة لينطووا تحت ذكرهم . وقد ذكرنا إضافة أسوأ بما أغنى عن إعادته . وعن ابن عباس " عذابا شديدا " يوم بدر . و " أسوء الذي كانوا يعملون " في الآخرة " ذلك " إشارة إلى الأسوأ ويجب أن يكون التقدير : أسوأ جزاء الذين كانوا يعملون حتى تستقيم هذه الإشارة . و " النار " عطف بيان للجزاء . أو خبر مبتدأ محفوف . فإن قلت : ما معنى قوله تعالى : " لهم فيها دار الخلد " ؟ قلت : معناه أن النار في نفسها دار الخلد كقوله تعالى : " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " الأحزاب : 21 ، والمعنى : أن رسول الله A أسوة حسنة وتقول لك في هذه الدار دار السرور . وأنت تعنى الدار بعينها أجزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون أي : جزاء بما كانوا يلغون فيها فذكر الجحود الذي هو سبب اللغو .
" وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين " .
" الذين أضلانا " أي : الشياطين اللذين أضلانا " من الجن والإنس " لأن الشيطان على ضربين : جني وإنسي . قال الله تعالى : " وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن " الأنعام : 112 ، وقال تعالى : " الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس " الناس : 5 - 6 ، وقيل : هما إبليس وقابيل لأنهما سنا الكفر والقتل بغير حق وقرئ : أرنا بسكون الراء لثقل الكسرة كما قالوا في فخذ : فخذ . وقيل : معناه أعطنا اللذين أضلانا . وحكوا عن الخليل : أنك إذا قلت : أرني ثوبك بالكسر فالمعنى بصرنيه . وإذا قلته بالسكون فهو استعطاء معناه : أعطني ثوبك ونظيره : اشتهار الإيتاء في معنى الإعطاء . وأصله : الإحضار .
" إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياءكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم " .
" ثم " لتراخي الاستقامة عن الإقرار في المرتبة . وفضلها عليه : لأن الاستقامة لها الشأن كله . ونحوه قوله تعالى : " إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا " الحجرات : 15 ، والمعنى : ثم ثبتوا على الإقرار ومقتضياته . وعن أبي بكر الصديق Bه : استقاموا فعلا كما استقاموا قولا . وعنه : أنه تلاها ثم قال : ما تقولون فيها ؟ قالوا : لم يذنبوا . قال حملتم الأمر على أشقه . قالوا : فما تقول ؟ قال : لم يرجعوا إلى عبادة الأوثان . وعن عمر رضي الله عنه : استقاموا على الطريقة لم يروغوا روغان الثعالب وعن عثمان Bه : أخلصوا العمل . وعن علي رضي الله عنه : أدوا فرائض . وقال سفيان بن عبد الله الثقفي Bه :