قرئ : يحشر على البناء للمفعول . ونحشر بالنون وضم الشين وكسرها ويحشر : على البناء للفاعل أي : يحشر الله D " أعداء الله " الكفار من الأولين والآخرين " يوزعون " أي : يحبس أولهم على آخرهم أي : يستوقف سوابقهم حتى يلحق بهم تواليهم وهي عبارة عن كثرة أهل النار نسأل الله أن يجيرنا منها بسعة رحمته فإن قلت : ما في قوله : " حتى إذا جاءوها " ما هي ؟ قلت : مزيدة للتأكيد ومعنى التأكيد فيها : أن وقت مجيئهم النار لا محالة أن يكون وقت الشهادة عليهم ولا وجه لأن يخلو منها . ومثله قوله تعالى : " أثم إذا ما وقع آمنتم به " يونس : 51 ، أي : لا بد لوقت وقوعه من أن يكون وقت إيمانهم به شهادة الجلود بالملامسة للحرام وما أشبه ذلك مما يفضي إليها من المحرمات . فإن قلت : كيف تشهد عليهم أعضاؤهم وكيف تنطق . قلت : الله D ينطقها كما أنطق الشجرة بأن يخلق فيها كلاما . وقيل : المراد بالجلود : الجوارح . وقيل : هي كناية عن الفروج أراد بكل شيء : كل شيء من الحيوان كما أراد به في قوله تعالى : " والله على كل شيء قدير " البقرة : 284 ، كل شيء من المقدورات والمعنى : أن نطقنا ليس بعجب من قدرة الله الذي قدر على إنطاق كل حيوان وعلى خلقكم وإنشائكم أول مرة وعلى إعادتكم ورجعكم إلى جزائه وإنما قالوا لهم : " لم شهدتم علينا " لما تعاظمهم من شهادتها وكبر عليهم من الافتضاح على ألسنة جوارحهم .
" وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين " .
والمعنى : أنكم كنتم تستترون بالحيطان والحجب عند ارتكاب الفواحش وما كان استتاركم ذلك خيفة أن يشهد عليكم جوارحكم لأنكم كنتم غير عالمين بشهادتها عليكم بل كنتم جاحدين بالبعث والجزاء أصلا ولكنكم إنما استترتم لظنكم " أن الله لا يعلم كثيرا مما " كنتم " تعملون " وهو الخفيات من أعمالكم وذلك الظن هو الذي أهلككم . وفي هذا تنبيه على أن من حق المؤمن أن لا يذهب عنه ولا يزل عن فإنه عليه من الله عينا كالئة ورقيبا مهيمنا حتى يكون في أوقات خلواته من ربه أهيب وأحسن احتشاما وأوفر تحفظا وتصونا منه مع الملأ ولا يتبسط في سره مراقبة من التشبه بهؤلاء الظانين . وقرئ : ولكن زعمتم " ذلكم " رفع بالابتداء و " وظنكم " و " أرداكم " خبران ويجوز أن يكون " ظنكم " بدلا من " وذلكم " و " أرداكم " الخبر .
" فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين " .
" فإن يصبروا " لم ينفعهم الصبر ولم ينفكوا به من الثواء في النار " وإن يستعتبوا " وإن يسألوا العتبى وهي الرجوع لهم إلى ما يحبون جزعا مما هم فيه : يعتبوا : لم يعطوا العتبى ولم يجابوا إليها ونحوه قوله عز وعلا : " أجزعنا أم صبرنا لنا من محيص " إبراهيم : 21 ، وقرئ : " وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين " أي : سئلوا أن يرضوا ربهم فما هم فاعلون أي : لا سبيل لهم إلى ذلك " وقضينا لهم " قدرنا لهم يعني لمشركي مكة : يقال : هذان ثوبان قيضان : إذا كانا متكافئين . المقايضة : المعاوضة " قرناء " أخدانا من الشياطين جمع قرين كقوله تعالى : " ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين " الزخرف : 36 ، فإن قلت : كيف جاز أن يقيض لهم القرناء من الشياطين وهو ينهاهم عن اتباع خطواتهم . قلت : معناه أنه خذلهم ومنعهم التوفيق لتصميمهم على الكفر فلم يبق لهم قرناء سوى شياطين . والدليل عليه ومن يعش نقيض ما بين أيديهم وما خلفهم ما تقدم من أعمالهم وما هم عازمون عليها . أو ما بين أيديهم من أمر الدنيا واتباع الشهوات وما خلفهم : من أمر العاقبة وأن لا بعث ولا حساب " وحق عليهم القول " يعني كلمة العذاب " في أمم " في جملة أمم . ومثل في هذه ما في قوله : .
إن تك عن أحسن الصنيعة مأ ... فوكا ففي آخرين قد أفكوا .
يريد : فأنت في جملة آخرين وأنت في عداد آخرين لست في ذلك بأوحد . فإن قلت : " في أمم " ما محله ؟ قلت : محله النصب على الحال من الضمير في عليهم أي حق عليهم القول كائنين في جملة أمم " إنهم كانوا خاسرين " تعليل لاستحقاقهم العذاب . والضمير لهم وللأمم