" إن في صدورهم إلا كبر " إلا تكبر وتعظم وهو إرادة التقدم والرياسة وأن لا يكون أحد فوقهم ولذلك عادوك ودفعوا آياتك خيفة أن تتقدمهم ويكونوا تحت يدك وأمرك ونهيك لأن النبوة تحتها كل ملك ورياسة . أو إراثة أن تكون لهم النبوة دونك حسدا وبغيا . ويدل عليه قوله تعالى : " لو كان خيرا ما سبقونا إليه " الأحقاف : 11 ، أو إراثة دفع الآيات بالجدال " ما هم ببالغيه " أي : ببالغي موجب الكبر ومقتضيه وهو متعلق إرادتهم من الرياسة أو النبوة أو دفع الآيات . وقيل : المجادلون هم اليهود وكانوا يقولون : يخرج صاحبنا المسيح بن داود يريدون الدجال ويبلغ سلطانه البر والبحر وتسير معه الأنهار وهو آية من آيات الله فيرجع إلينا الملك فسمى الله تمنيهم ذلك كبرا ونفى أن يبلغوا متمناهم " فاستعذ بالله " فالتجيء إليه من كيد من يحسدك ويبغي عليك " إنه هو السميع " لما تقول ويقولون " البصير " بما تعمل ويعملون فهو ناصرك عليهم وعاصمك من شرهم .
" لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون " .
فإن قلت : كيف اتصل قوله : " لخلق السموات والأرض " بما قبله . قلت : إن مجادلتهم في آيات الله كانت مشتملة على إنكار البعث وهو أصل المجادلة ومدارها فحجوا بخلق السموات والأرض لأنهم كانوا مقرين بأن الله خالقها وبأنها خلق عظيم لا يقادر قدره وخلق الناس بالقياس إليه شيء قليل مهين فمن قدر على خلقها مع عظمها كان على خلق الإنسان مع مهانته أقدر وهو أبلغ من الاستشهاد بخلق مثله " لا يعلمون " لأنهم لا ينظرون ولا يتأملون لغلبة الغفلة عليهم واتباعهم أهواءهم .
" وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلا ما تتذكرون " .
ضرب الأعمى والبصير مثلا للمحسن والمسيء . وقرئ : يتذكرون بالياء والتاء والتاء أعم .
" إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون " .
" لا ريب فيها " لا بد من مجيئها ولا محالة وليس بمرتاب فيها لأنه لا بد من جزاء " لا يؤمنون " لا يصدقون بها .
" وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين " .
" ادعوني " اعبدوني والدعاء بمعنى العبادة كثير في القرآن ويدل عليه قوله تعالى : " إن الذين يستكبرون عن عبادتي " والاستجابة : الإثابة وفي تفسير مجاهد : اعبدوني أثبكم . وعن الحسن وقد سئل عنها : اعملوا وأبشروا فإنه حق على الله أن يستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله . وعن الثوري أنه قيل له : ادع الله فقال : إن ترك الذنوب هو الدعاء . وفي الحديث : " إذا شغل عبدي طاعتي عن الدعاء أعطيته أفضل ما أعطي السائلين " .
وروى النعمان بن بشير Bه عن رسول الله A : " الدعاء هو العبادة " وقرأ هذه الآية . ويجوز أن يريد الدعاء والاستجابة على ظاهرهما ويريد بعبادتي : دعائي لأن الدعاء باب من العبادة ومن أفضل أبوابها يصدقه قول ابن عباس Bهما : أفضل العبادة الدعاء . وعن كعب : أعطى الله هذه الأمة ثلاث خلال لم يعطهن إلا نبيا مرسلا : كان يقول لكل نبي أنت شاهدي على خلقي وقال لهذه الأمة : " لتكونوا شهداء على الناس " البقرة : 143 ، وكان يقول : ما عليك من حرج وقال لنا : " ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج " المائدة : 6 ، وكان يقول : ادعني أستجب لك وقال لنا : " ادعوني استجب لكم " وعن ابن عباس : وحدوني أغفر لكم وهذا تفسير للدعاء بالعبادة ثم للعبادة بالتوحيد " داخرين " صاغرين .
" الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون "