" قال الذين استكبروا إنا كنا فيها إن الله قد حكم بين العباد " .
وقرئ : كلا على التأكيد لاسم إن وهو معرفة والتنوين عوض من المضاف إليه يريد : إنا كلنا أو كلنا فيها . فإن قلت : هل يجوز أن يكون كلا حالا قد عمل فيها فيها ؟ قلت : لا لأن الظرف لا يعمل في الحال متقدمة كما يعمل في الظرف متقدما تقول كل يوم لك ثوب ولا تقول قائما في الدار زيد " قد حكم بين العباد " قضى بينهم وفصل بأن أدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار .
" وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب قالوا أولم تك تأتيكم رسلنا بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال " .
" لخزنة جهنم " للقوام بتعذيب أهلها . فإن قلت : هلا قيل : الذين في النار لخزنتها ؟ قلت : لأن في ذكر جهنم تهويلا وتفظيعا ويحتمل أن جهنم هي أبعد النار قعرا من قولهم : بئر جهنام بعيدة القعر وقولهم في النابغة : جهنام تسمية بها لزعمهم أنه يلقي الشعر على لسان المنتسب إليه فهو بعيد الغور في علمه بالشعر كما قال أبو نواس في خلف الأحمر : .
قليذم من العياليم الخسف .
وفيها أعتى الكفار وأطغاهم فلعل الملائكة الموكلين بعذاب أولئك أجوب دعوة لزيادة قربهم من الله تعالى فلهذا تعمدهم أهل النار بطلب الدعوة منهم " أولم تك تأتيكم " إلزام للحجة وتوبيخ وأنهم خلفوا وراءهم أوقات الدعاء والتضرع وعطلوا الأسباب التي يستجيب الله لها الدعوات " قالوا فادعوا " أنتم فإنا لا نجترئ على ذلك ولا نشفع إلا بشرطين : كون المشفوع له غير ظالم والإذن في الشفاعة مع مراعاة وقتها وذلك قبل الحكم الفاصل بين الفريقين وليس قولهم " فادعوا " لرجاء المنفعة ولكن للدلالة على الخيبة فإن الملك المقرب إذا لم يسمع دعاؤه فكيف يسمع دعاء الكافر .
" إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم سوء الدار " .
" في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد " أي : في الدنيا والآخرة يعني : أنه يغلبهم في الدارين جميعا بالحجة والظفر على مخالفيهم وإن غلبوا في الدنيا في بعض الأحايين امتحانا من الله فالعاقبة لهم ويتيح الله من يقتص من أعدائهم ولو بعد حين . والأشهاد : جمع شاهد كصاحب وأصحاب يريد : الحفظة من الملائكة والأنبياء والمؤمنين من أمة محمد A " لتكونوا شهداء على الناس " البقرة : 143 ، . واليوم الثاني بدل من الأول يحتمل أنهم يعتذرون بمعذرة ولكنها لا تنفع لأنها باطلة وأنهم لو جاءوا بمعذرة لم تكن مقبولة لقوله تعالى : " ولا يؤذن لهم فيعتذرون " المرسلات : 36 ، " ولهم اللعنة " البعد من رحمة الله " ولهم سوء الدار " أي : سوء دار الآخرة وهو عذابها . وقرئ : تقوم و لا تنفع بالتاء والياء .
" ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب هدى وذكرى لأولي الألباب " .
يريد بالهدى : جميع ما آتاه في باب الدين من المعجزات والتوراة والشرائع " وأورثنا " وتركنا على بني إسرائيل من بعده " الكتاب " أي : التوراة " هدى وذكرى " إرشادا وتذكرة وانتصابهما على المفعول له أو على الحال . وأولوا الألباب : المؤمنون به العاملون بما فيه .
" فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار " .
يعني أن نصرة الرسل في ضمان الله وضمان الله لا يخلف واستشهد بموسى وما آتاه من أسباب الهدى والنصرة على فرعون وجنوده وإبقاء آثار هداه في بني إسرائيل والله ناصرك كما نصرهم ومظهرك على الدين كله ومبلغ ملك أمتك مشارق الأرض ومغاربها فاصبر على ما يجزعك قومك من الغصص فإن العاقبة لك وما سبق به وعدي من نصرتك وإعلاء كلمتك حق وأقبل على التقوى واستدرك الفرطات بالاستغفار ودم على عبادة ربك والثناء عليه " بالعشي والإبكار " وقيل : هما صلاتا العصر والفجر .
" إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير "