" لا جرم " سياقه على مذهب البصريين : أن يجعل لا ردا لما دعاه إليه قومه . وجرم : فعل بمعنى حق وأن مع ما في حيزه فاعله أي : حق ووجب بطلان دعوته . أو بمعنى : كسب من قوله تعالى : " ولا يجرمنكم شنئان قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتموا " المائدة : 2 ، أي : كسب ذلك الدعاء إليه بطلان دعوته على معنى أنه ما حصل من ذلك إلا ظهور بطلان دعوته . ويجوز أن يقال : أن لا جرم نظير : لا بد فعل من الجرم وهو القطع كما أن بدا فعل من التبديد وهو التفريق فكما أن معنى : لا بد أنك تفعل كذا بمعنى : لا بعد لك من فعله فكذلك لا جرم أن لهم النار أي : لا قطع لذلك بمعنى أنهم أبدا يستحقون النار لا انقطاع لاستحقاقهم ولا قطع لبطلان دعوة الأصنام أي : لا تزال باطلة لا ينقطع ذلك فينقلب حقا . وروي عن العرب : لا جرم أنه يفعل بضم الجيم وسكون الراء بزنة بد وفعل وفعل : أخوان . كرشد ورشد وعدم وعدم " ليس له دعوة " معناه : أن ما تدعونني إليه ليس له دعوة إلى نفسه قط أي : من حق المعبود بالحق أن يدعو العباد إلى طاعته ثم يدعو العباد إليها إظهارا لدعوة ربهم وما تدعون إليه وإلى عبادته لا يدعو هو إلى ذلك ولا يدعي الربوبية ولو كان حيوانا ناطقا لضج من دعائكم . وقوله : " في الدنيا ولا في الآخرة " يعني أنه في الدنيا جماد لا يستطيع شيئا من دعاء وغيره وفي الآخرة : إذا أنشأه الله حيوانا تبرأ من الدعاة إليه ومن عبدته . وقيل : معناه ليس له استجابة دعوة تنفع في الدنيا لا في الآخرة . أو دعوة مستجابة جعلت الدعوة التي لا استجابة لها ولا منفعة فيها كلا دعوة . أو سميت الاستجابة باسم الدعوة كما سمى الفعل المجازي عليه باسم الجزاء في قولهم : كما تدين تدان . قال الله تعالى : " له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا ستجيبون لهم بشيء " الرعد : 14 ، . " المسرفين " عن قتادة : المشركين . وعن مجاهد : السفاكين للدماء بغير حلها . وقيل : الذين غلب شرهم خيرهم هم المسرفون . وقرئ : فستذكرون . أي : فسيذكر بعضكم بعضا " وأفوض أمري إلى الله " لأنهم توعدوه .
" فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب " .
" فوقاه الله سيئات ما مكروا " شدائد مكرهم وما هموا به من إلحاق أنواع العذاب بمن خالفهم . وقيل : نجا مع موسى " وحاق بآل فرعون " ما هموا به من تعذيب مسلمين ورجع عليهم كيدهم " النار " بدل من سوء العذاب . أو خبر مبتدأ محذوف أن قائلا قال : ما سوء العذاب ؟ فقيل : هو النار . أو مبتدأ خبره " يعرضون عليها " وفي هذا الوجه تعظيم للنار وتهويل من عذابها وعرضهم عليها : إحراقهم بها . يقال : عرض الإمام الأسارى على السيف إذا قتلهم به وقرئ : النار بالنصب وهي تعضد الوجه الأخير . وتقديره : يدخلون النار يعرضون عليها ويجوز أن ينتصب على الاختصاص " غدوا وعشيا " في هذين الوقتين يعذبون بالنار وفيما بين ذلك الله أعلم بحالهم فأما أن يعذبوا بجنس آخر من العذاب أو ينفس عنهم . ويجوز أن يكون " غدوا وعشيا " : عبارة عن الدوام هذا ما دامت الدنيا فإذا قامت الساعة قيل لهم : أدخلوا " يا " آل فرعون أشد " عذاب جهنم . وقرئ : أدخلوا آل فرعون أي : يقال لخزنة جهنم : أدخلوهم . فإن قلت : قوله : " وحاق بآل فرعون سوء العذاب " معناه : أنه رجع عليهم ما هموا به من المكر بالمسلمين كقول العرب : من حفر لأخيه جبا وقع فيه منكبا فإذا فسر سوء العذاب بنار جهنم : لم يكن مكرهم راجعا عليهم لأنهم لا يعذبون بجهنم . قلت : يجوز أن يهم الإنسان بأن يغرق قوما فيحرق بالنار ويسمى ذلك حيقا لأنه هم بسوء فأصابه ما يقع عليه اسم السوء . ولا يشترط في الحيق أن يكون الحائق ذلك السوء بعينه ويجوز أن يهتم فرعون لما سمع إنذار المسلمين بالنار وقول المؤمن : " وأن المسرفين هم أصحاب النار " غافر : 43 ، فيفعل نحو ما فعل نمروذ ويعذبهم بالنار فحاق به مثل ما أضمره وهم بفعله . ويستدل بهذه الآية على إثبات عذاب القبر .
" وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار " .
واذكر وقت يتحاجون " تبعا " تباعا كخدم في جمع خادم . أو ذوي تبع أي : أتباع أو وصفا بالمصدر