فإن قلت : لم قال : " وهم شهدون " فخص علم المشاهدة ؟ قلت : ما هو إلا استهزاء بهم وتجهيل لهم وكذلك قوله : " أشهدوا خلقهم " الزخرف : 19 ، ونحوه قوله : " ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم " الكهف : 51 ، وذلك أنهم كما لم يعلموا ذلك بطريق المشاهدة لم يعلموه بخلق الله علمه في قلوبهم . ولا بإخبار صاعق ولا بطريق استدلال ونظر . ويجوز أن يكون المعنى : أنهم يقولون ذلك كالقائل قولا عن ثلج صدر وطمأنينة نفس لإفراط جهلهم كأنهم قد شاهدوا خلقهم . وقرىء : " ولد الله " أي الملائكة ولده . والولد فعل بمعنى مفعول يقع على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث . تقول : هذه ولدي وهؤلاء ولدي . فإن قلت : " اصطفى البنات " بفتح الهمزة : استفهام على طريق الإنكار والاستبعاد فكيف صحت قراءة أبي جعفر بكسر الهمزة على الإثبات . قلت : جعله من كلام الكفرة بدلا عن قولهم : " ولد الله " وقد قرأ بها حمزة والأعمش Bهما . وهذه القراءة - وإن كان هذا محملها - فهي ضعيفة والذي أضعفها : أن الإنكار قد اكتنف هذه الجملة من جانبيها وذلك قوله : " وإنه لكذبون " . " ما لكم كيف تحكمون " ؟ فمن جعلها للإثبات فقد أوقعها دخيلة بين نسيبين . وقرىء : " تذكرون " من ذكر " أم لكم سلطن " أي حجة نزلت عليكم من السماء وخبر بأن الملائكة بنات الله . " فأتوا بكتبكم " الذي أنزل عليكم في ذلك كقوله تعالى : " أم أنزلنا عليهم سلطنا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون " الروم : 35 ، وهذه الايات صادرة عن سخط عظيم وإنكار فظيع واستبعاد لأقاويلهم شديدة وما الأساليب التي وردت عليها إلا ناطقة بتسفيه أحلام قريش وتجهيل نفوسها واستركاك عقولها مع استهزاء وتهكم وتعجيب من أن يخطر مخطر مثل ذلك على بال ويحدث به نفسا فضلا أن يجعله معتقدا ويتظاهر به مذهبا . " وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون سبحن الله عما يصفون إلا عباد الله المخلصين "