" وجعلوا " بين الله وبين الجنة وأراد الملائكة " نسبا " ؟ وهو زعمهم أنهم بناته والمعنى : جعلوا بما قالوا : نسبة بين الله وبينهم وأثبتوا له بذلك جنسية جامعة له وللملائكة . فإن قلت : لم سمي الملائكة جنة ؟ قلت : قالوا : الجنس واحد ولكن من خبث من الجن ومرد وكان شرا كله فهو شيطان ومن طهر منهم ونسك وكان خيرا كله فهو ملك فذكرهم في هذا الموضع باسم جنسهم وإنما ذكرهم بهذا الاسم وضعا منهم وتقصيرا بهم . وإن كانوا معظمين في أنفسهم أن يبلغوا منزلة المناسبة التي أضافوها إليهم . وفيه إشارة إلى أن من صفته الاجتنان والاستتار وهو من صفات الأجرام لا يصلح أن يناسب من لا يجوز عليه ذلك . ومثاله : أن تسوي بين الملك وبين بعض خواصه ومقربيه فيقول لك : أتسوى بيني وبين عبدي . لماذا ذكره في غير هذا المقام وقره وكناه . والضمير في " إنهم لمحضرون " للكفرة . والمعنى : أنهم يقولون ما يقولون في الملائكة وقد علم الملائكة أنهم في ذلك كاذبون مفترون وأنهم محضرون النار معذبون بما يقولون والمراد المبالغة في التكذيب . حيث أضيف إلى علم الذين آذعوا لهم تلك النسبة . وقيل : قالوا إن الله صاهر الجن فخرجت الملائكة . وقيل : قالوا : إن الله والشيطان أخوان . وعن الحسن : أشركوا الجن في طاعة الله . ويجوز إذا فسر الجنة بالشياطين : أن يكون الضمير في " فإنهم لمحضرون " لهم والمعنى أن الشياطين عالمون بأن الله يحضرهم النار ويعذبهم ولو كانوا مناسبين له أو شركاء في وجوب الطاعة لما عذبهم " إلا عباد الله المخلصين " استثناء منقطع من المحضرين : معناه ولكن المخلصين ناجون . وإن الله : اعتراض بين الاستثناء وبين ما وقع منه . ويجوز أن يقع الاستثناء من الواو في يصفون أي : يصفه هؤلاء بذلك ولكن المخلصون براء من أن يصفوه به . " فإنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفتنين إلا من هو صال الجحيم " والضمير في " عليه " لله D ومعناه : فإنكم ومعبودكم ما أنتم وهم جميعا بفاتنين على الله إلآ أصحاب النار الذين سبق في علمه أنهم لسوء أعمالهم يستوجبون أن يصلوها . فإن قلت : كيف يفتنونهم على الله ؟ قلت : يفسدونهم عليه بإغوائهم واستهزائهم من قولك : فتن فلان على فلان امرأته كما تقول : أفسدها عليه وخيبها عليه . ويجوز أن يكون الواو في " وما تعبدون " بمعنى مع مثلها في قولهم : كل رجل وضيعته فكما جاز السكوت على كل رجل وضيعته وأن كل رجل وضيعته جاز أن يسكت على قوله : " فإنكم وما تعبدون " لأن قوله : " وما تعبدون " ساد مسد الخبر لأن معناه : فإنكم مع ما تعبدون . والمعنى : فإنكم مع آلهتكم أي : فإنكم قرناؤهم وأصحابهم لا تبرحون تعبدونها ثم قال : " ما أنتم عليه " أي : على ما تعبدون " بفتنين " بباعثين أو حاملين على طريق الفتنة والإضلال " إلا من هو ضال " مثلكم . أو يكون في أسلوب قوله : فإنك والكتاب إلى علي كدابغة وقد حلم الأديم وقرأ الحسن " صال الجحيم " بضم اللام . وفيه ثلاثة أوجه أحدها : أن يكون جمعا وسقوط واوه لالتقاء الساكنين هي ولام التعريف . فإن قلت : كيف استقام الجمع مع قوله : " من هو " ؟ قلت : من موحد اللفظ مجموع المعنى فحمل هو على لفظه والصالون على معناه كما حمل في مواضع من التنزيل على لفظ من ومعناه في آية واحدة . والثاني : أن يكون أصله صائل على القلب ثم يقال صال في صائل كقولهم شاك في شائك . والثالث : أن تحذف لام صال تخفيفا ويجري الإعراب على عينه كما حذف من قولهم : ما باليت به بالة وأصلها بالية من بالي كعافية من عافى . ونظيره قراءة من قرأ : " وجنى الجنتين دان " الرحمن : 54 ، " وله الجوار المنشات " الرحمن : 24 ، بإجراء الإعراب على العين . " وما منا إلا له مقام معلوم وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن السبحون " " وما منا " أحد " إلا له مقام معلوم " فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه كقوله : .
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا