" ثم أورثنا الكتاب الذين اصفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخبرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير وقالوا الحمد الله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب " فإن قلت : ما معنى قوله : " ثم أوثنا الكتاب " ؟ قلت : فيه وجهان أحدهما : إنا أوحينا إليك القرآن ثم أورثنا من بعدك أي حكمنا بتوريثه . أو قال : أورثناه وهو يريد نورثه لما عليه أخبار الله " الذين اصطفينا من عبادنا " وهم أمته من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم إلى يوم القيامة ؛ لأن الله اصطفاهم على سائر الأمم وجعلهم أمة وسطا ليكونوا شهداء على الناس واختصهم بكراومة الانتماء إلى أفضل رسل الله وحمل الكتاب الذي هو أفضل كتب الله ثم قسمهم إلى ظالم لنفسه مجرم وهو المرجأ لأمر الله . ومقتصد : هو الذي خلط عملا صالحا وآخر سيئا وسابق من السابقين . والوجه الثاني : أنه قدم إرساله في كل أمة رسولا وأنهم كذبوا برسلهم وقد جاؤهم بالبينات والزبر والكتاب المنير ثم قال : إن الذين يتلون كتاب الله فأثنى على التالين لكتبه العاملين بشرائعه من بين المكذبين بها من سائر الأمم واعتراض بقوله : " والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق " ثم قال : " ثم أورثنا الكتاب الذي اصطفينا من عبادنا " أي من بعد أولئك المذكورين يريد بالمصطفين من عباده : أهل الملة الحنيفية فإن قلت : فكيف جعلت " جنات عدن " بدلا من الفضل الكبير الذي هو السبق بالخيرات المشار إليه بذلك ؟ قلت : لما كان السبب في نيل الثواب نزل منزلة المسببن كأنه هو الثواب فأبدلت عنه جنات عدن وفي اختصاص السابقين بعد التقسيم بذكر ثوابهم والسكوت عن الآخرين ما فيه من وجوب الحذر فليحذر المقتصد وذلك الظالم لنفسه حذرا وعليهما بالتوبة النصوح المخلصة من عذاب الله ولا يغترا بمارواه عمر Bه عن رسول الله A : سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له فإن شرط ذلك صحة التوبة لوقوله تعالى : " عسى الله أن يتوب عليهم " التوبة : 102 وقوله : " إما يعذبهم على حقيقة الأمر ولم يعلل نفسه بالخدع . وقرئ : سباق ومعنى : " بإذن الله " بتيسيره وتوقيفه . فإن قلت : لم قدم الظالم ؟ ثم المقتصد ثم السابق ؟ قلت : للإيذان بكثرة الفاسقين وغلبتهم وأن المقتصدين قليل بالإضافة إليهم والسابقون . وجنات عدن بالنصب على إضمار فعل يفسره الظاهر أي يدخلون جنات عدن يدخلونها ويدخلونها على البناء للمفعول . ويحلون : من حليت : المرأة فهي حال " ولؤلؤا " معطوف على محل من أساروه ومن داخله للتبعيض أي يحلون بعض أساور من ذهب كأنه بعض سابق لسائر الأبعاض كما سبق المسورون به غيرهم . وقيل : إن ذلك الذهب في صفاء الؤلؤ . وقرئ : ولولؤا بتخفيف الهمزة الأولى وقرئ : الحزن والمراد : حزن المتقين وهو ما أهمهم من خوف سوء العاقبة كقوله تعالى : " إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم " الطور : 26 - 27 . وعن ابن عباس Bهما : حزن الموت . وعن الضحاك : حزن إبليس ووسوسته . وقيل : هم المعاش . وقيل : حزن زوال النعم وقد أكثروا حتى قال بعضهم : كراء الدار ومعناه أنه يعم كل حزن من أحزان الدين والدنيا . حتى هذا . وعن رسول الله A :