وإنما يفعل ذلك لزيادة التوكيد حيث يدل على المعنى الواحد من طريقي الإظهار الإضمار جميعا ولا بد من تقدير حذف المضاف في قوله تعالى : " ومن الجبال جدد " بمعنى : وم الجبال ذو جدد بيض وحمر وسود حتى يؤول إلى قولك : ومن الجبال مختلف ألوانه كما قال : ثمرات مختلفا ألوانها " ومن الناس والدواب والأنعم مختلف ألوانه " يعني : ومنهم بعض مختلف ألوانه . وقرئ : ألوانها وقرأ الزهري : جدد بالضم : جمع جديدة وهي الجدة . يقال : جديدة وجدد وجدائد كسفينة وسفن سفائن . وقد فسر بها قول أبي ذؤيب يصف حمار وحش : جون السراة له جدائد أربع وروي عنه : جدد بفتحتين وهو الطريق الواضح المسفر وضعه موضع الطرائق والخطوط والواضحة المنفصل بعضها من بعض . وقرئ : والدواب مخففا ونظير هذا التخفيف قراءة من قرأ : ولا الضالين لأن كل واحد منهما فرار من التقاء الساكنين فحرك ذاك ألوهما وحذف هذا آخرهما . وقوله : " كذلك " أي كاختلاف الثمرات والجبال . المراد : العملاء به الذين علموه بصفاته وعدله وتوحيده وما يجوز عليه وما لا يجوز فعظموه وقدروه حق قدره وخشوه حق خشيته ومن ازداد به علما ازداد منه خوفا ومن كان علمه به أقل كان آمن . وفي الحديث : أعلمكم بالله أشدكم له خشية وهم مسروق : كفى بالمرء علما أن يخشى وكفى بالمرء جهلا أن يعجب بعلمه . وقال رجل للشعبي : أفتني أيها العالم فقال : العالم من خشي الله . وقيل : هل يختلف المعنى إذا قدم المفعول في هذا الكلام أو أخر ؟ قلت : لا بد من ذلك فإنك إذا قدمت اسم الله وأخرت العلماء كان المعنى : أن الذين يخشون الله من بين عباده هم العملاء دون غيرهم وإذا علمت على العكس انقلب المعنى إلى أنهم لا يخشون إلا الله كقوله تعالى : " ولا يخشون أحدا إلا الله " الأحزاب : 39 وهما معنيان مختلفان . فإن قلت : ما وجه اتصال هذا الكلام بما قبله ؟ قلت : لما قال : " ألم تر " بمعنى ألم تعلم أن الله أنزل من السماء ماء وعدد آيات الله وأعلام قدرته وآثار صنعته وما خلق من الفطر والمختلفة الأجناس وما يستبدل به عليه وعلى صفاته أتبع ذلك " إنما يخشى الله من عباده العلماؤا " كأنه قال : إنما يخشاه مثلك ومن على صفتك : ممن عرفه حق معرفته وعلمه كنه علمه . وعن النبي A : أنا أرجو أن أكون أتقاكم لله وأعلمكم به . فإن قلت : فما وجه قراءة من قرأ إنما يخشى الله من عباده العلماء وهو عمر بن عبد العزيز ويحكي عن أبي حنيفة ؟ قلت : الخشية في هذه القراءة استعارة والمعنى : إنما يجلهم ويعظمهم كما يجل المهيب المخشي من الرجال بين الناس ومن بين جميع عباده " إن الله عزيز غفور " تعليل لوجوب الخشية لدلالته على عقوبة العصاة وقرهم وإثابة أهل الطاعة والعفو عنهم والمعاقب المثيب : حقه أن يخشى .
" إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور " " يتلون كتاب الله " يداومون على تلاوته وهي شأنهم ودينهم . وعن مطرف C : هي آية القراء . وعن الكلبي C : يأخذون يما فيه . وقيل : يعلمون ما فيه ويعلمون به . وعن السدي C . عم أصحاب رسول الله A ورضي عنهم . وعن عطاء . هم المؤمنون " يرجون " خبر إن . والتجارة : طلب الثواب بالطاعة . و " ليوفيهم " متعلق بلن تبور أي : تجارة ينتفي عنها الكساد وتنفق عند الله ليوفيهم بنفاقها عنده " أجورهم " وهي ما استحقوه من الثواب " ويزيدهم " من التفضيل على المستحق . وإن شئت جعلت " يرجون " في موضع الحال على : وأنفقوا راجين ليوفيهم أي فعلوا جميع ذلك من التلاوة وإقامة الصلاة والإنفاق في سبيل الله لهذا الغرض وخبر إن وقله : " إنه غفور شكور " على معنى : غفور لهم شكور لأعمالهم . والشكر مجاز عن الإثابة .
" والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير " " الكتاب " القرآن . ومن للتبيين أو الجنس . ومن للتبعيض " مصدقا " حال مؤكدة ؛ لأن الحق لا ينفك عن هذا التصديق " لما بين يديه " لما تقدمه من الكتب " لخبير بصير " يعني أنه خبرك وأبصر أحوالك فرآك أهلا لأن يوحي إليك مثل هذا الكتاب المعجز الذي هو عيار على سائر الكتب