" ساهدا " على من بعث إليهم وعلى تكذيبهم وتصديقهم أي : مقبولا قولك عند الله لهم وعليهم كمل يقبل قول الشاهد العدل في الحكم . فإن قلت : وكيف كان شاهدا وقت الإرسال وإنما يكون شاهدا عند تحمل الشهادة أو عند أدائها ؟ قلت : هي حال مقدرة كمسألة الكتاب : مررت برجل معه صقر صائدا به غدا أي : مقدرا به الصيد غدا . فإن قلت : قد فهم من قوله : إنا أرسلناك داعيا : أنه مأذون له في الدعاء فما فائدة قوله : " بإذنه " ؟ قلت : لم يرد به حقيقة الإذن . وإنما جعل الإذن مستعارا للتسهيل والتسير ؛ لأن الدخول في حق المالك متعذر فإذا صودف الإذن تسهيل وتيسر فلما كان الإذن تسهيلا لما تعذر من ذلك وضع موضعه وذلك أن دعاء أهل الشرك والجاهلية إلى التوحيد والشرائع أمر في غاية الصعوبة والتعذر فقيل : بإذنه للإيذان بأن الأمر صعب لا يتأتى ولا يستطاع إلا إذا سهلت الله ويسره ومنه قولهم في الشحيح : أنه غير مأذون له في الإنفاق أي : غير مسهل له الإنفاق لكونه شاقا عليه داخلا في حكم التعذر . " وسراجا منيرا " جلى به الله ظلمات الشرك واهتدى به الضالون كما يجلى ظلام الليل بالسراج المنير ويهتدي به . أو أمد الله بنور نبوته نور البصائر كما يمد بنور السراج نور الأبصار وصفة بالإنارة لأن من السرج ما لا يضئ إذا قل سليطه ودقت فتيلته . وفي كلام بعضهم : ثلاثة تضني : رسول بطئ وسراج لا يضئ ومائدة ينتظر لها من يجئ . وسئل بعضهم عن الموحشين ؟ فقال : ظلام ساتر وسراج فاتر . وقيل : وذا سراج منير . أو وتاليا سراجا منيرا . ويجوز على هذا النفسير أن يعطف على كاف " أرسلناك " .
" وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا " الفضل : ما يتفضل به عليهم زيادة على الثواب وإذا ذكر المتفضل به وكبره فما ظنك بالثواب . ويجوز أن يريد بالفضل : الثواب من قولهم للعطايا : فضول وفواضل وأن يريد أن لهم فضلا كبيرا على سائر الأمم وذلك الفضل من جهة الله وأنه آتاهم ما فضلوهم به .
" ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا " " ولا تطع الكافرين " معناه : الدوام والثبات على ما كان عليه . أو التهييج " أذاهم " يحتمل إضافته إلى الفاعل والمفعول يعني : ودع أن تؤذيهم بضرر أو قتل وخذ بظاهرهم وحسابهم على الله في باطنهم . أو : ودع ما يؤذونك به ولا تجاوزهم عليه حتى تؤمر وعن ابن عباس Bهما : هي منسوخة بآية السيف " وتوكل على الله " فإنه يكفيكهم وكفى بالله وكيلا وكفى به مفوضا إليه ولقائل أن يقول : وصفه الله تعالى بخمسة أوصاف وقابل كلا منها بخطاب مناسب له قابل الشاهد بقوله : " وبشر المؤمنين " لأنه يكون شاهدا على أمته وهم يكونون شهداء على سائر الأمم وهو الفضل الكبير والمبشر بإعراض عن الكافرين والمنافقين لأنه إذا أعرض عنهم أقبل جميع إقباله على المؤمنين وهو مناسب للبشارة والنذير بدع أذاهم لأنه إذا ترك أذاهم في الحاضر - والأذى لا بد له من عقاب عاجل أو آجل - كانوا منذرين به في المستقبل والداعي إلى الله بتسيره بقوله : " وتوكل على الله " لأن من توكل على الله يسر عليه كل عسير والسراج المنير بالإكتفاء به وكيلا لأن من أناره الله برهانا على جميع خلقه كان جديرا بأن يكتفي به عن جميع خلقه .
" يا أيها الذين ءامنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا " النكاح : الوطء وتسمية العقد نكاحا لملابسته له من حيث أنه طريق إليه . ونظيره تسميتهم الخمر إثما : لأنها سبب في اقتراف الإثم ونحوه في علم البيان قول الراجز : أسنمة الآبال في سحابه