وقال قتيبة حدثنا سفيان عن ابن شبرمة كلمني أبو الزناد في شهادة الشاهد ويمين المدعي فقلت قال الله تعالى واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما الأخراى ( البقرة 282 ) قلت إذا كان يكتفى بشهادة شاهد ويمين المدعي فما يحتاج أن تذكر إحداهما الأخراى ما كان يصنع بذكر هاذه الأخراى .
كذا هكذا في كثير من النسخ قال قتيبة معلقا وفي بعضها حدثنا قتيبة وكذا نقل عن الشيخ قطب الدين الحلبي الشارح وقال صاحب ( التلويح ) وكان الأول أظهر لأن البخاري لم يحتج في ( صحيحه ) بابن شبرمة وابن شبرمة هو عبد الله بن شبرمة بضم الشين المعجمة وسكون الباء الموحدة والراء المضمومة ابن الطفيل بن حسان الضبي أبو شبرمة الكوفي القاضي فقيه أهل الكوفة عداده في التابعين وكان عفيفا صارما عاقلا فقيها يشبه النساك ثقة في الحديث شاعرا حسن الخلق استشهد به البخاري في ( الصحيح ) وروى له في الأدب وروى له مسلم وأبو داود وابن ماجه مات سنة أربع وأربعين ومائة وروى عن أبي حنيفة حديثا واحدا وأبو الزناد بكسر الزاي وتخفيف النون واسمه عبد الله بن ذكوان القرشي المدني قاضي المدينة قال العجلي مدني تابعي ثقة سمع من أنس بن مالك مات سنة ثلاثين ومائة قوله إذا كان شرط وقوله فما يحتاج جزاء وكلمة ما نافية بخلاف قوله ما كان فإنها استفهامية والفعلان أعني يحتاج ويصنع بلفظ المجهول أي إذا جاز الكفاية على شاهد ويمين فلا يحتاج إلى تذكير إحداهما الأخرى إذ اليمين تقوم مقامها فما فائدة ذكر التذكير في القرآن وقال الكرماني فائدته تتميم شاهد إذ المرأة الواحدة لا اعتبار لها لأن المرأتين كرجل واحد انتهى قلت هذا كلام عجيب كأنه مخترع من عنده فكيف يكون حاصله أن مذهب أبي الزناد القضاء بشاهد ويمين المدعي كأهل بلده ومذهب ابن شبرمة خلافه كأهل بلده فاحتج عليه أبو الزناد بالخبر الوارد في ذلك واحتج عليه ابن شبرمة بما ذكره من الآية الكريمة وقال بعضهم وإنما يتم له الحجة بذلك على أصل مختلف فيه بين الفريقين وهو أن الخبر إذا ورد متضمنا لزيادة على ما في القرآن هل يكون نسخا والسنة لا تنسخ القران أو لا يكون نسخا بل زيادة مستقلة بحكم مستقل إذا ثبت سنده وجب القول به والأول مذهب الكوفيين والثاني مذهب الحجازيين ومع قطع النظر عن ذلك لا ينهض حجة ابن شبرمة لأنه يصير معارضة للنص بالرأي انتهى قلت مذهب ابن شبرمة هو مذهب ابن أبي ليلى وعطاء والنخعي والشعبي والأوزاعي والكوفيين والأندلسيين من أصحاب مالك وهم يقولون نص الكتاب العزيز في باب الشهادة رجلان فإذا لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان والحكم بشاهد ويمين مخالف للنص فلا يجوز والأخبار التي وردت بشاهد ويمين أخبار أحاد فلا يعمل بها عند مخالفتها النص لأنه يكون نسخا ونسخ الكتاب بخبر الواحد لا يجوز وقال بعضهم النسخ رفع الحكم ولا رفع هنا وأيضا الناسخ والمنسوخ لا بد أن يتواردا على محل واحد وهذا غير متحقق في الزيادة على النص قلت النسخ رفع الحكم قسم من أقسام النسخ لأنه على أربعة أقسام نسخ الحكم والتلاوة جميعا ونسخ الحكم دون التلاوة ونسخ التلاوة دون الحكم والرابع نسخ وصف الحكم وهو أيضا مثل الزيادة على النص وهو نسخ عندنا وعند الشافعي هو بمنزلة تخصيص العام حتى جوز ذلك بالقياس وبخبر الواحد وقول هذا القائل النسخ رفع الحكم ليس على إطلاقه لأن النسخ من قبيل بيان التبديل لأن البيان عندنا خمسة أقسام بيان تقرير وبيان تفسير وبيان تغيير وبيان ضرورة وبيان تبديل والنسخ منه ومعناه أن يزول شيء ويخلفه غيره ولا شك أن الحكم بشاهد ويمين رفع حكم الشاهدين أو الشاهد والمرأة وكيف يقول هنا ولا رفع هنا وقوله وأيضا الناسخ والمنسوخ إلى آخره ليس على إطلاقه لأنا نسلم أنه لا بد من توارد الناسخ والمنسوخ في محل واحد ولكن لا نسلم قوله وهذا غير متحقق في الزيادة على النص لأن قائل هذا أي من كان لم يفرق بين نسخ الوصف وبين نسخ الذات والنسخ هنا من قبيل نسخ الوصف لا من قبيل نسخ الذات ونحن نقول إن نسخ الوصف مثل نسخ الذات في الحكم فلهذا منعنا الحكم بشاهد ويمين وقال هذا القائل أيضا وتخصيص الكتاب بالسنة جائز وكذلك الزيادة عليه قلنا لا نسلم أن الزيادة على النص كالتخصيص مطلقا وإنما يكون كالتخصيص إذا كانت