الزيادة حكما مستقلا بنفسها فحينئذ يكون كالتخصيص لأنها لا تغير والتخصيص بيان عدم إرادة بعض ما يتناوله اللفظ فيبقى الباقي بذلك النظم بعينه فإن العام إذا خص منه بعض الأفراد بقي الحكم فيما وراءه بلفظ العام بعينه كلفظ المشركين إذا خص منه أهل الذمة بقي الحكم في غيرهم ثابتا بلفظ المشركين فلم يكن التخصيص نسخا لأن النسخ بيان انتهاء مدة الحكم الثابت وبالتخصيص تبين أن المخصوص لم يكن مرادا بالعام فلا يكون رفعا بعد الثبوت بل منعا عن الدخول في حكم العام ولهذا قلنا إن التخصيص لا يكون إلا مقارنا لأنه بيان محض وشرط النسخ أن يكون متأخرا فيكون تبديلا لا بيانا محضا ثم نظر هذا القائل في كون الزيادة على النص كالتخصيص بقوله كما في قوله تعالى وأحل لكم ما وراء ذلكم ( النساء 42 ) وأجمعوا على تحريم العمة مع بنت أخيها وسند الإجماع في ذلك السنة الثابتة وكذلك قطع رجل السارق في المرة الثانية قلنا الجواب عن هذين الحكمين أنهما حكمان مستقلان بأنفسهما ولم يغيرا لحكم فيهما حتى يكون نسخا وقد قلنا إن مثل هذا كالتخصيص ثم قال هذا القائل وقد أخذ من رد أن الحكم بالشاهد واليمين لكونه زيادة على القرآن بأحاديث كثيرة كلها زائدة على ما في القرآن كالوضوء بالنبيذ والوضوء من القهقهة ومن القيء والمضمضة والاستنشاق في الغسل دون الوضوء واستبراء المسبية وترك قطع من سرق ما يسرع إليه الفساد وشهادة المرأة الواحدة في الولادة ولا قود إلا بالسيف ولا جمعة إلا في مصر جامع ولا تقطع الأيدي في الغزو ولا يرث الكافر المسلم ولا يؤكل الطافي من السمك ويحرم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير ولا يقل الوالد بالوالد ولا يرث القاتل من القتيل وغير ذلك من الأمثلة التي تتضمن الزيادة على عموم الكتاب قلنا هذا كله لا يرد علينا والجواب عن هذا كله ما قلنا إن الزائد على النص إذا كان حكما مستقلا بنفسه لا يضر ذلك فلا يسمى نسخا لأنه لا يغير ولا يبدل والذي فيه التغيير بحسب الظاهر لا من حيث الوصف ولا من حيث الذات يكون كالتخصيص .
وقوله وأجابوا بأنها أحاديث كثيرة شهيرة فوجب العمل بها لشهرتها لا نقول به لأنا لا نلتزم شهرة تلك الأحاديث فالأصل الذي نحن عليه فيه الكفاية وقوله فيقال لهم وحديث القضاء بالشاهد واليمين جاء من طرق كثيرة مشهورة بل ثبت من طرق صحيحية متعددة فنقول إن كان مرادهم بهذه الشهرة الشهرة عندهم فلا يلزمنا ذلك وإن كان المراد الشهرة عند الكل فلا نسلم ذلك لأن شهرتها عند الكل ممنوعة فمن ادعى ذلك فعليه البيان ولئن سلمنا شهرتها فالزيادة بها على القرآن لا تخرج عن كونها نسخا والذي قال هؤلاء وظيفة التواتر فلا تواتر أصلا .
قوله فمنها ما أخرجه مسلم من حديث ابن عباس أن رسول الله قضى بيمين وشاهد وقال في التمييز إنه حديث صحيح لا يرتاب في صحته وقال ابن عبد البر لا مطعن لأحد في صحته ولا في إسناده .
والجواب عنه من وجهين أحدهما بطريق المنع وهو أن مسلما روى هذا الحديث من حديث سيف بن سليمان عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس إلى آخره وذكر الترمذي في ( العلل الكبير ) سألت محمد بن إسماعيل عنه فقال عمرو بن دينار لم يسمع عندي هذا الحديث من ابن عباس وقال الطحاوي قيس لا نعلمه يحدث عن عمرو بن دينار بشيء فقد رمي الحديث بالانقطاع في موضعين من البخاري بين عمرو وابن عباس ومن الطحاوي بين قيس وعمرو رد البيهقي في ( الخلافيات ) على الطحاوي وأشار إلى أن قيسا سمع من عمرو واستدل على ذلك برواية وهب بن جرير عن أبيه قال سمعت قيس بن سعد يحدث عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فذكر المحرم الذي وقصته ناقته ثم قال البيهقي ولا يبعد أن يكون له عن عمرو غير هذا .
قلت لم يصرح أحد من أهل هذا الشأن فيما علمنا أن قيسا سمع من عمرو لا يلزم من قول جرير سمعت قيسا يحدث عن عمرو أن يكون قيس سمع ذلك من عمرو وذكر الذهبي سيفا في كتابه في ( الضعفاء ) وقال رمي بالقدر وقال في ( الميزان ) ذكره ابن عدي في ( الكامل ) وساق له هذا الحديث وسأل عباس يحيى بن معين عن هذا الحديث فقال ليس بمحفوظ وضعف أحمد بن حنبل محمد بن مسلم ثم ذكر البيهقي هذا الحديث من وجه آخر من حديث معاذ بن عبد الرحمن عن ابن عباس قلت رواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد عن ربيعة ابن عثمان وإبراهيم هو الأسلمي مكشوف الحال مرمي بالكذب وغيره من المصائب وربيعة هذا قال أبو زرعة ليس بذلك وقال أبو حاتم منكر الحديث .
والجواب الآخر بطريق التسليم وهو أنه من أخبار الآحاد فلا يجوز الزيادة به على النص .
قوله ومنها حديث أبي هريرة أن النبي قضى باليمين مع الشاهد قلت هذا أخرجه أبو داود وقال حدثنا أحمد