في الذمية غير الممتنعة اشتراط النية عليها نفسها ومنها أنهم قالوا لما علم أن محل النية القلب فإذا اقتصر عليه جاز إلا في الصلاة على وجه شاذ لهم لا يعبأ به وإن اقتصر على اللسان لم يجز إلا في الزكاة على وجه شاذ أيضا وإن جمع بينهما فهو آكد واشترطوا المقارنة في جميع النيات المعتبرة إلا الصوم للمشقة وإلا الزكاة فإنه يجوز تقديمها قبل وقت إعطائها قيل والكفارات فإنه يجوز تقديمها قبل الفعل والشروع ثم هل يشترط استحضار النية أول كل عمل وإن قل وتكرر فعله مقارنا لأوله فيه مذاهب أحدها نعم وثانيها يشترط ذلك في أوله ولا يشترط إذا تكرر بل يكفيه أن ينوي أول كل عمل ولا يشترط تكرارها فيما بعد ولا مقارنتها ولا الاتصال وثالثها يشترط المقارنة دون الاتصال ورابعها يشترط الاتصال وهو أخص من المقارنة وهذه المذاهب راجعة إلى أن النية جزء من العبادة أو شرط لصحتها والجمهور على الأول ولا وجه للثاني وإذا أشرك في العبادة غيرها من أمر دنيوي أو رياء فاختار الغزالي اعتبار الباعث على العمل فإن كان القصد الدنيوي هو الأغلب لم يكن له فيه أجر وإن كان القصد الديني هو الأغلب كان له الأجر بقدره وإن تساويا تساقطا واختار الشيخ عز الدين بن عبد السلام أنه لا أجر فيه مطلقا سواء تساوى القصدان أو اختلفا وقال المحاسبي إذا كان الباعث الديني أقوى بطل عمله وخالف في ذلك الجمهور وقال ابن جرير الطبري إذا كان ابتداء العمل لله لم يضره ما عرض بعده في نفسه من عجب هذا قول عامة السلف رحمهم الله الثاني من الاستنباط احتج به أبو حنيفة ومالك وأحمد في أن من أحرم بالحج في غير أشهر الحج أنه لا ينعقد عمرة لأنه لم ينوها فإنما له ما نواه وهو أحد أقوال الشافعي إلا أن الأئمة الثلاثة قالوا ينعقد إحرامه بالحج ولكنه يكره ولم يختلف قول الشافعي أنه لا ينعقد بالحج وإنما اختلف قوله هل يتحلل بأفعال العمرة وهو قوله المتقدم أو ينعقد إحرامه عمرة وهو نصه في المختصر وهو الذي صححه الرافعي والنووي فعلى القول الأول لا تسقط عنه عمرة الإسلام وعلى القول الذي نص عليه في المختصر تسقط عنه عمرة الإسلام الثالث احتج به مالك في اكتفائه بنية واحدة في أول شهر رمضان وهو رواية عن أحمد لأن كله عبادة واحدة وقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد في رواية لا بد من النية لكل يوم لأن صوم كل يوم عبادة مستقلة بذاتها فلا يكتفي بنية واحدة الرابع احتج به أبو حنيفة والثوري ومالك في أن الصرورة يصح حجه عن غيره ولا يصح عن نفسه لأنه لم ينوه عن نفسه وإنما له ما نواه وذهب الشافعي وأحمد وإسحاق والأوزاعي إلى أنه لا ينعقد عن غيره ويقع ذلك عن نفسه والحديث حجة عليهم ( فإن قيل ) روى أبو داود وابن ماجه من حديث ابن عباس Bهما أن رسول الله سمع رجلا يقول لبيك عن شبرمة فقال أحججت قط قال لا قال فاجعل هذه عن نفسك ثم حج عن شبرمة وهذه رواية ابن ماجه بإسناد صحيح وفي رواية أبي داود حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة قلت قال الدارقطني الصحيح من الرواية اجعلها في نفسك ثم حج عن شبرمة فإن قلت كيف يأمره بذلك والإحرام وقع عن الأول قلت يحتمل أنه كان في ابتداء الإسلام حين لم يكن الإحرام لازما على ما روي عن بعض الصحابة أنه تحلل في حجة الوداع عن الحج بأفعال العمرة فكان يمكنه فسخ الأول وتقديم حج نفسه وقد استدل بعضهم لأبي حنيفة ومن معه بما رواه الطبراني ثم البيهقي من طريقه من حديث ابن عباس Bهما قال سمع النبي رجلا يلبي عن أبيه فقال أيها الملبي عن أبيه احجج عن نفسك ثم قال هذا ضعيف فيه الحسن بن عمارة وهو متروك قلت ما استدل أبو حنيفة إلا بما رواه البخاري ومسلم أن امرأة من خثعم قالت يا رسول الله إن أبي أدركته فريضة الحج وإنه شيخ كبير لا يستمسك على الراحلة أفأحج عنه قال نعم حجي عن أبيك وفي لفظ أخرجه أحمد لو كان على أبيك دين فقضيته عنه كان يجزيه قالت نعم قال فحجي عن أبيك ولم يستفسر هل حججت أم لا الخامس قالت الشافعية فيه حجة على أبي حنيفة حيث ذهب إلى أن المقيم إذا نوى في رمضان صوم قضاء أو كفارة أو تطوع وقع عن رمضان قالوا أنه وقع عن غير رمضان إذ ليس له إلا ما نواه ولم ينو صوم